أثار كتاب "الكينونة المتناغمة" ضجة في الأوساط الثقافية، واتُّهم مؤلفه (عبد الله حميد الدين) بالإلحاد، بل اتُّهم بنشر الإلحاد بين شباب المملكة، وذلك من خلال التجمعات الشبابية التي يطرح فيها موضوعات إلحادية، وقد استمعت إلى ندوات تلفزيونية أثير فيها هذا الموضوع، والقصة تحتاج إلى تفسير يحل لنا هذا الإشكال.
من خلال مقدمة هذا الكتاب نستطيع معرفة الإشكال الذي وقع فيه الكثير حتى طالبوا بمحاكمته؛ لأنه هو الذي جرَّ "حمزة كاشغري" إلى الإلحاد وإهانة النبي صلى الله عليه وسلم.
الإشكال هو أن هؤلاء الشباب ضحية للتعليم الديني الجامد، لقد ثارت أسئلة في أذهانهم، ولما لم يجدوا من يجيبهم عليها بحثوا عن الإجابة عند غيرهم، وحينئذ لم يجدوا إلا الكتب الغربية الإلحادية؛ يقول المؤلف في مقدمة الكتاب: "إن وجود فضاء يوفر هذا النوع من التبادل مهم في كل الأحوال، ولكنه أهم في المرحلة التاريخية التي نحن فيها، مرحلة انفتاح غير مسبوق على العالم، مرحلة تحولات متعددة بين الشباب، ومرحلة تطوير الهوية الوطنية من خلال مبادرات مختلفة أهمها مبادرة الحوار الوطني".
فانظر لقوله: "ولكنه أهم في المرحلة التاريخية التي نحن فيها، مرحلة انفتاح غير مسبوق على العالم، مرحلة تحولات متعددة بين الشباب"؛ تجد أنه يتحدث عن مرحلة انفتاح ثقافي تمر بها المملكة؛ أي: انفتاح فكري على الثقافات، وخصوصًا على الثقافة الغربية التي حملت إليهم جذور الإلحاد، وهو ما أدى بهؤلاء الشباب والفتيات أن يقيموا هذه اللقاءات ويتساءلوا حينما لم يجدوا الجواب في المناهج الدينية ولا عند المشايخ. كانت تثور تساؤلات لا يجدون لها جوابًا، فطلبوا الجواب عنها في كتب الإلحاد الغربية.
ومما يدل على تأثر المؤلف بمواقف المفكرين الغربيين الملحدين قوله: "وقفت بالصدفة على كلمة لـ"إليوت" يقول فيها: لن نتوقف عن الاستكشاف، ونتيجة استكشافنا أن نصل إلى حيث بدأنا أولاً لنجد أننا نعرف المكان للمرة الأولى".
إن الجيل الحالي من الشباب حائر؛ لأنه لم يجد من يأخذ بيده، إنه يقرأ لـ"إليوت"، و"كانط"، و"نيتشة"، ...، فيتأثر بفكرهم الإلحادي، ولم يجد من يرد عليهم من مشايخنا؛ لأن مشايخنا لا يقرءون لهؤلاء، ولا يناقشون أفكارهم وشبهاتهم، فضاع الشباب في أجواء الانفتاح.
إننا مدعوون إلى سد هذا النقص وهذا الخلل في مناهجنا، وتأهيل المدرسين -وخاصة مدرسي الدين- ليناقشوا هذه الشبهات، ويجيبوا على الأسئلة التي تدور في أذهان الشباب.
إن الانفتاح صار مفروضًا علينا، لا نستطيع أن نعيش في عزلة عن العالم وما يدور فيه من أفكار ومذاهب فكرية منحرفة، وشبابنا يتعرضون لهذه الأفكار، وواجبنا تحصينهم من هذه الأفكار المنحرفة عن الإسلام.
ليس واجبنا هو الصياح من أجل إقامة حد الردة عليهم أو عقوبتهم، بل الواجب علينا تحصين عقول الشباب أمام شبهات الملحدين، وكما قيل: لا تبدأ بالعقوبة قبل البيان، بل البَدء بالبيان قبل العقوبة.
إن شبابنا يتعرض لشبهات فكرية، وهو في حاجة إلى من يأخذ بيده ويبصره ويرشده إلى الطريق. إن شبابنا مع الانفتاح الثقافي والإعلامي في حاجة إلى تطوير مناهجنا الدينية؛ لتكون قادرة على الإجابة على تساؤلات الشباب.