اول ما داهمني الشعر وكان هذا في النصف الاول من ثمانينيات القرن الماضي . صرت ابحث عن متنفس ابوح به ما أكتب على الرغم من اني كنت اقرأ الى اصدقائي المقربين الذين يقابلون شعري بعين الرضا وابتسام المديح ولم تلجم غروري شهادتهم بحقي لعلمي انهم من جمهور الذائقة واراؤهم تفتقر للاختصاص الفني لبناء القصيدة بوصفها الاكاديمي
فحزمت امري بالذهاب لجمعية الشعراء الشعبيين الواقعة انذاك في الاعظمية ويومها كان العراق وكعادته يعيش حربا ضروسا مع ايران فصار منبر الجمعية ساحة تبارز بالكلام الحربي من حماسة واطراء وغير ذلك من المتعارف عليه ساعتها، المهم دخلت القاعة المكتظة باسماء كنت اشاهدها في التلفزيون خلال المهرجانات العسكرية التي تظهر في كل هجوم ومن حسن حظي عثرت على كرسي فارغ فجلست الى جانب رجل كنت احسبه من الجمهورالذي جاء يسمع الامسية في هذه الجمعة . هندامه رائع ووسيم رغم تجاوزه العقد الخامس من عمره ووجه يبعث على الفرح والسلام وسط الصخب المتشنج الذي شاع في قاعة الجمعية، نظر الي وبادرني : الله بالخير عمي : ورددت على تحيته دون النظر اليه لانشغالي بالشاعر الذي كان يقرأ قصيدته على المنصة وكأنه في الخطوط الامامية من المعركة .. ويبدو ان احد الجالسين من اصحاب القرار وكان يعلم من احدهم ان لي محاولات كتابية .. فسلم علي وقال لي : اسجل اسمك حتى تقرأ قصيدة لكن بشرط ان يكون النص بنفس موضوع ما يقرأ الشعراء الآن فأجبته بالنفي وأن عندي قصيدة غزلية فأجابني : لابأس نسمعك لكن في آخر الجلسة . حينها الرجل
الذي يجلس بجانبي وكان الراحل الشاعر قاسم الفرطوسي همس بأذني : تعال نطلع خارج الجمعية . حتى اسمع قصيدتك قبل صعود المنصة.
خرجنا وبدأت اتلو عليه قصيدة وجدانية ملغومة بترميز وصل اليه بخبرة الواعي وكان منشدا معي حتى نهاية القراءة، وبعد ما أشاد بي وبشعري قال لي: (عمي تشوف هذا الشارع وهاي السيارات مال باب المعظم اركب وروح لهلك لايحركون اهلك) .
وفهمت ما كان يرمي اليه الرجل وقدرت مدى نبله وشهامته العمارية ثم اخذت بكلامه ورجعت من حيث اتيت وانا احتفظ لهذا العملاق رغم قصر قامته معروفاً وجميلاً.
رحمك الله ابا سلام كنت حاضراً في كل محطاتي ابا عطوفاً واستاذاً علمني شجاعة الشعر وعذوبة الغزل وانته القائل:
كتلني اللابس الجبة وربطة
ويهيض المسبح من زيجه وربطه
عكلي اشلون اكضنه وربطه
يتسودن من تمر حلوه عليه
حمزة الحلفي