لم يشهد العراق منذ تأسيس الدولة العراقية بعشرينيات القرن الماضي مرحلة حرجة مثل ما يمر به اليوم ،فبعد سقوط الموصل أو كما يسميها سياسيونا بـ "وكسة حزيران" (في أشارة إلى نكسة حزيران عام 1967 التي تعرض لها العرب على يد إسرائيل ذات الـ "3 " ملايين نسمة امام "150 " مليون عربي!! بسيناريو مشابه كواقعة وتأريخ!، فقد هزم ما يزيد على "50 " ألف رجل امن كانوا يمسكون الأرض في الموصل أمام بضع مئات من تنظيم "داعش" وهو تنظيم الدولة الاسلامية في الشام العراق!!).
فـ "تسونامي الموصل" ولد لدى العراقيين ذهولاً لم يتم هضمه بسهولة، فكيف تسقط الموصل خلال ساعات دون مقاومة؟!وهل صحيح أن الجيش العراقي وما أدراك ما الجيش العراقي يهزم بهذه الطريقة ؟ أسئلة وأسئلة سيتم الإجابة عنها ، لكنها بالتأكيد لن تشفي الغليل!.
الحقيقة التي يريد ان يغمض البعض عينه عنها، وهي ساطعة كسطوع الشمس ان هناك حاضنة شعبية ساعدت الإرهابيين على السطو على أم الربيعين ،وجدت لها شرنقة فنمت حتى صارت حقيقة واقعة غذتها الخلافات السياسية التي يرتبط بعضها بمشاريع عابرة للحدود!.
بدليل انه لا يمكن لبضع مئات من جنسيات مختلفة يقدرون بـ (700 ـ 800 ) يمثلون "رأس الرمح" للعمليات الإرهابية بمسك جغرافية تقدر بمئات الكيلو مترات ، وان التكتيك المتبع هو ان تقوم تلك القوة الضاربة بقتال القطعات العسكرية واحتلال الأرض ثم تسليمها لخلايا نائمة من نفس المناطق المحتلة يتولون السيطرة عليها .
بيد أن السؤال الكبير هو هل يبرر الشعور بالحيف والغبن... التآمر على الوطن؟ وإباحة الأرض والعرض لمجموعة بربرية لا تفهم سوى القتل وانتهاك الأعراض؟!.
سمعنا من يصف تلك المؤامرة بأنها انتفاضة شعبية أسوة بانتفاضة الشيعة الشعبانية عام "1991" !، ونحن نقول اذا كانت كما تزعمون ....فهل استعان الشيعة بانتفاضتهم بـ (قوقازيين ـ شيشانيين ـ تونسيين ـ مغاربة ـ سعوديين ـ صوماليين ...والخ من أوباش الأرض وبرابرة القرن الواحد و العشرين).
أذا كانت لدى العرب السنة تحفظات على الأداء الحكومي فلدى الشيعة تحفظ أيضا، وهم معكم في خندق معارضة الحكومة السلمي ،ويدرك الجميع أن حكومة السيد المالكي اشد ما تلاقيه من معارضة هي معارضة شيعية.
كيف تم سيناريو سقوط الموصل؟
الواقع الأمني قبل سقوط الموصل بيد الإرهاب، يشير إن المدينة كانت مسورة بثلاث أطواق الأول الشرطة المحلية الطوق الثاني الشرطة الاتحادية بغالبية تشكل 80 % من أهالي الموصل و 20 % من الأكراد الطوق الثالث الجيش العراقي.
تركت الشرطة الاتحادية المحافظة و أسلحتها قبل ذلك سبقهم هروب الشرطة المحلية !، ثم ترك الجيش مواضعه ،وانسحبت قياداته إلى الإقليم!.وهذا ما أثار السؤال الكبير وهو من هي الجهة التي أمرت رئيس أركان الجيش العراقي "عبود قنبر" وعلي غيدان" قائد القوة البرية وهم في الميدان بترك المواقع والانسحاب؟؟!!.
ما هي حقيقة سقوط الموصل ؟
يرجح المراقبون لما يجري خيار أطراف الصراع لنظرية يطلق عليها ( نظرية الفناء الذاتي ) تقضي على قضاء الأخوة الأعداء بعضهم على بعض ! لذلك تشير القراءات للأحداث أن هناك اتفاق" دولي ـ إقليمي"، بتصفية التنظيمات الإرهابية بعضها البعض عبر جرهم إلى معركة وجود على الأرض العراقية والسورية ،بعد تمكين "داعش" لوجستياً ( مادياً وعسكرياً وهذا ما حصل حيث أصبح "داعش" التنظيم الأقوى بين الفصائل المسلحة على الأراضي العراقية والسورية بعد السطو على المصارف في الموصل وسيطرته على معدات الجيش العراقي )، لتخوض معارك التصفية مع تنظيم "النقشبندية"بزعامة الدوري والتنظيمات المسلحة الأخرى، ثم العودة إلى سوريا لتصفية "جبهة النصرة" و" الجيش الحر" وهذا السيناريو شارف على إسدال ستاره بعد حسم صفقة التسوية الشرق أوسطية الشاملة التي تركز على حاجة الشرق الأوسط إلى سنوات "عسل" يحددها نجاح مفاوضات ايران ومجموعة(5+1 )!.
جانب آخر هو عودة اللاعب الأمريكي بقوة إلى ساحة الصراع بعد تراجع دوره لمصلحة الجمهورية الإسلامية الإيرانية. حيث تناقلت وسائل الأعلام الطلب الرسمي العراقي بالتدخل الأمريكي ،وتضارب الأنباء وانقسام الرأي العام الأمريكي "المفبرك" بالتدخل من عدمه، فضلاً عن تحريك البركة الراكدة في الملف النووي الإيراني، ومحاولة أمريكا استعداء المجتمع الدولي لإيران مرة أخرى كون الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تصمت على التهديدات المحتملة للمراقد الشيعية في العراق من قبل تنظيم داعش وسوف يذهب اللاعبان" الأمريكي ـ الإيراني "الى المفاوضات بسلال مملوءة!!.
العرب السنة والاكراد يحاولون استغلال ما يجري في الموصل لأنتاج معادلة جديدة خلافاً للمعادلة القائمة،ويرى مراقبون أن التغيير الذي ينشده (الكرد ـ والسنة) يجب ان يكون جزئياً وليس كلياً في المعادلة وهو أنتاج "شراكة وطنية حقيقية "،لضمان عدم استفزاز القوى الشيعية بشقيها المعتدل والمتطرف لاتسمح بتهديد المكاسب الديمقراطية،وتعدها خطاً احمر لا يمكن تجاوزه،لأن التفريط بالتجربة الديمقراطية التي قدم من اجلها الشعب العراقي انهاراً من الدماء، يعني خيانة عظمى لتضحيات الشعب العراقي ، وهو لديهم مسألة وجود وبقاء.
لذلك فأن جميع الفر قاء السياسيين مدعوين إلى التخلي عن سياسة الأمر الواقع و فرض الإرادات بقوة السلاح ،لأنه يعني تهديد وحدة العراق واستقراره وهذا ما لا يخدم الجميع ، والسعي إلى الوصول إلى نقطة لقاء وقاسم مشترك بين الجميع. فأننا من حقنا أن نختلف من اجل الوطن ،لكن لا يحق لنا أن نختلف عليه.وعليهم ان يدركوا ان العراق جزء من الصراع المستعر في منطقة الشرق الأوسط وليس بمعزل عنه، ويكونوا بمستوى التحديات وان لا ينساقوا خلف عواطفهم والقاع الشعبي وان يتقاربوا لتصحيح المسار.
مقالات اخرى للكاتب