في مثل هذا اليوم من عام 2007 , وعلى وجه التحديد في الرابع والعشرين من شهر أغسطس (آب), انتقل إلى رحمة الله تعالى الرئيس العراقي الأسبق عبد الرحمن محمد عارف, الرجل النبيل الغيور الذي أطلق بوجه شاه إيران كلمته الوطنية المدوية في العاصمة طهران في الرابع عشر من مارس (آذار) عام 1967, على خلفية الطلب التوسعي الذي تقدم به محمد رضا بهلوي بإدخال تعديلات جديدة على حدود المناطق البحرية المتشاطئة بين البلدين عند مقتربات شط العرب, فنطق عبد الرحمن بعبارته الحاسمة الحازمة المجلجلة, التي قال فيها: أن أرض العراق ومياهه وحدوده ليست عقاراً مسجلا باسمي, ولا ملكا صرفاً لعائلتي, ولا مقاطعة من مقاطعات أجدادي, ولا حقلا زراعياً من حقول عشيرتي, ولا إرثاً لأبناء قبيلتي, ولا غنيمة من غنائم أهلي, أنها ملك الشعب العراقي وحده, ولا يمكن التفريط بها, أو التنازل عنها, أو بيعها, أو تأجيرها, أو التلاعب بخرائطها, أو المقامرة بها أو المغامرة بها, أو المساومة عليها, أنها الواحة الفردوسية الرافدينية المقدسة, التي اختارها الله جل شأنه مهبطاً لرسالته السماوية, ومثوى لأنبيائه, وصومعة لأئمته, ومنطلقاً لسلالاته البشرية, هي الأرض التي حملت شعلة الإنسانية والتحضر إلى كل أرجاء المعمورة, فلا أنا ولا غيري يمتلك حق التفريط بأرض العراق ومياهه في مثل هذا اليوم رحل عبد الرحمن, فكان الرئيس العراقي الوحيد الذي مات ميتة طبيعية على فراشه, وبين أهله وأبنائه, ولفظ أنفاسه الأخير بين جدران بيته, فوق سريره, وتحت سقف غرفته البسيطة المتواضعة. . هو الرئيس العراقي الوحيد الذي لم يُقتل, ولم يُذبح, ولم يُسحل في الشوارع, ولم يُشنق, ولم يدس له الثاليوم في طعامه, ولم يتعرض لأي محاولة من محاولات الاغتيال. . هو العراقي الشريف, الذي لم يكن متحزباً, ولا متطرفاً, ولا متعصباً, ولا متلوناً, ولا مغروراً, ولا فاجراً, ولا متهتكاً, ولا متعنتاً برأيه, ولا متشدداً مع غيره, ولم تكن له علاقات مشبوهة مع الدوائر الاستعمارية. . لم يكن سفاحاً متعطشاً للدماء, ولا متبطراً شرهاً يحب اكتناز الأموال, ولا مستميتاً على الزعامة, ولا لاهثاً وراء التسلط على رقاب الناس, ولا ساعياً للاستحواذ على الرتب العسكرية والألقاب المدنية والنياشين والعقارات. . عرفه الناس بحبه للعراق وأهله, لم يتسبب في يوم من الأيام بإلحاق الأذى بأي فرد من أفراد الشعب العراقي, ولم يورط العراق بمعاهدات دولية مخجلة, ولا باتفاقيات مُذلة, ولم يوقع على بروتوكولات الرضوخ والانبطاح والتمسح بأذيال القوى الدولية الغاشمة. لم يتنازل عن شبر واحد من أرض العراق, ولم يتسبب في ضياع بحرنا الإقليمي, ولم يسمح بالتجاوز على مسطحاتنا المائية السيادية في خور عبد الله ومدخل شط العرب. . لم يكن عدواً لأحد, ولا حاقداً على أحد, ولا ظالماً لأحد, فعاش بأمان, وحكم بأمان, وتنازل عن الحكم بأمان, ورحل إلى الدار الآخرة بأمان. .
مقالات اخرى للكاتب