قصة الصبي السوداني أحمد محمد الحسن (14 عامًا) الذي اعتقلته شرطة ولاية تكساس الأميركية بعد أن أبلغت معلمته عنه لأنها اشتبهت في الساعة الإلكترونية التي قام بتصميمها وتركيبها وظنت أنها قنبلة، باتت معروفة في أرجاء العالم. فوسائل الإعلام تناقلت القصة على مدى أيام وأجرت لقاءات مع الصبي وأهله ومع المختصين، بينما انطلقت حملة واسعة للتضامن معه في وسائل التواصل الاجتماعي شاركت فيها شخصيات بارزة. جوانب كثيرة تداخلت في القصة، من الجانب المتعلق بأهمية دعم روح المغامرة والابتكار لا قتلها، إلى مسائل الشكوك المرتبطة باعتبارات دينية أو عنصرية، مرورًا بموضوع حقوق الفرد والتضامن المجتمعي مع المظلوم، وانتهاء بدور الإعلام الجديد وقدرته البالغة على التأثير التي تجاوزت كل ما كان معروفًا في السابق عن دور الإعلام التقليدي في التأثير على الرأي العام.
خلال ساعات وجيزة طار خبر اعتقال أحمد وحلق في مواقع التواصل الاجتماعي حتى بلغ عدد المشاركات في هاشتاغ بعنوان «ساند أحمد» أكثر من مليون في وقت وجيز. الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي كان في مقدمة المتضامنين مع الصبي السوداني - الأميركي كتب على صفحته في «فيسبوك» قائلاً: «إنها ساعة رائعة يا أحمد، هل تريد إحضارها إلى البيت الأبيض؟»، ثم مضى ليقول، وهذا هو الأهم: «علينا أن نلهم مزيدا من الأطفال ليعشقوا العلم، فالعلم هو ما يجعل أميركا بلدًا عظيمًا».
رسالة دعم الشباب وروح الإبداع والابتكار تكررت في كثير من رسائل التضامن مع أحمد وفي الدعوات التي تلقاها من مؤسسات أكاديمية وشركات تكنولوجية كبرى وجهات علمية رائدة بما فيها وكالة الفضاء الأميركية (ناسا). فمارك زوكربيرغ مؤسس «فيسبوك» كتب في موقعه يقول: «امتلاك الخبرة والطموح لصنع شيء ممتاز يجب أن يقابل بالتصفيق والتشجيع»، وخاطب أحمد بعد أن دعاه لمقابلته في مقر «فيسبوك» قائلا: «واصل البناء». كذلك فعلت هيلاري كلينتون المرشحة لانتخابات الرئاسة الأميركية عندما كتبت في تغريدة على «تويتر» للتضامن مع أحمد «ابق على حبك للاستطلاع وواصل الإنتاج»، مشيرة إلى أن المخاوف والشكوك «لن تضمن أمننا بل تعمل ضدنا»، وذلك في إشارة إلى الجدل الذي أثير حول أن الصبي السوداني تعرض للشكوك والاعتقال كونه مسلمًا.
قضية أحمد استدعت مقارنات بين الدعم والتشجيع في الغرب وفي سائر الدول المتقدمة للأطفال والشباب المبرزين في أي مجال، ولكل أصحاب المواهب خصوصًا في مجال العلوم والابتكارات، وبين حال العلم والعلماء في كثير من الدول العربية والإسلامية، فبينما يرعى الغرب المواهب والنوابغ، ويهتم بأطفاله وبمستقبله، ويكرم العلم والعلماء، يشكو الناس في العالم العربي من إهمال وتدمير المواهب خصوصًا في مجالات العلوم والاستكشاف، ومن روح الإحباط واليأس أو من ماكينة التدمير التي تدفع الناس لترك بلادهم قسرًا.
قصة الصبي السوداني وصوره طغت على الأخبار بالتزامن مع صور أفواج المهاجرين الهاربين من سوريا والعراق ومن دول عربية وإسلامية وأفريقية إلى أوروبا بحثًا عن الأمن وعن فرصة لحياة أفضل وبحثًا عن أحلام تبددت في بلدانهم، فالمفارقة هائلة بين أحمد الذي وجد الدعم والرعاية والتشجيع في البلد الذي هاجر إليه أهله، وبين صور الأطفال السوريين أو العراقيين وغيرهم من الذين شردتهم بلادهم بسبب النزاعات والحروب والطائفية فحرموا من أبسط مقومات الحياة الطبيعية، ومن فرص التعليم. كيف سينشأ هؤلاء وأي مستقبل ينتظرهم وينتظر بلدانهم؟
بعض الناس التقطوا قصة أحمد واعتبروها ردًا على معارضي سياسة استقبال ومساعدة المهاجرين الذين يتدفقون على أوروبا بالآلاف يوميًا، فقالوا إن المهاجرين يمكن أن يقدموا مساهمات بناءة أيضًا في الدول الغربية التي تؤويهم، وأشاروا إلى نماذج أخرى كثيرة لأبناء مهاجرين تفوقوا وبرزوا في مجالات كثيرة في الغرب. بالطبع في مقابل ذلك تحرم الدول التي تدفع أبناءها للهروب بحثًا عن ملاذات آمنة أو عن فرصة لحياة أفضل، عن السواعد التي يمكن أن تبنيها وتعمل على تقدمها.
أحمد ابن المهاجر المسلم يشعر بالاعتزاز للتضامن والدعم الذي وجده في موطنه الجديد، بينما يشعر كثيرون في العالم العربي بالاغتراب داخل أوطانهم، فالحقوق والحريات والفرص التي تتوفر في أميركا تشعر كثيرا من المهاجرين الجدد بالانتماء وتنمي فيهم روح المواطنة، بينما يثير بعض الناس أسئلة كثيرة حول المواطنة والحقوق في العالم العربي بسبب القمع أو التهميش أو التمييز.
حملة التضامن الواسعة مع هذا الصبي تثير سؤالاً أيضًا حول الموقف الأخلاقي للمجتمعات ودورها ومسؤوليتها في حالة الظلم للأفراد. فكثير من الناس هبوا للدفاع عن أحمد ونصرته، لإحساسهم بأنه تعرض لظلم، ومارسوا في ذلك ضغطًا كبيرًا على السلطات، وهو ما يعكس أيضًا الدور المتنامي لوسائل التواصل الاجتماعي في التأثير على صنع القرارات وفي تشكيل الرأي العام.
قصة أحمد فيها من الجوانب والدروس التي قد تستحق أكثر من وقفة عابرة.
مقالات اخرى للكاتب