نحن الطيبون أصحاب الهواتف الذكية. اللايك، واللايت نعتبرهما معادلة لحياة بلا سكر، ولا أمراض مزمنة للعصر والفاهم يفهم. لأن الهاتف الذكي مرادف لعمل الصحفي الناجح، الذي عليه أن يترصد الخبر والأحداث، دقيقة بدقيقة.
هم لهُم لايكاتهم ،،، ونحن لنا لايكاتنا. نحن جيل مررنا من السبورة الطبشورية والقلم الجاف والفاكس إلى السبورة الالكترونية، لم نكن نشتكي من قلة الإمكانيات للسفر لانجاز تحقيق صحفي أو روبرتاج عن قضية آنية تسترعي اهتمام الرأي العام، فالبرغم من حدود الامكانيات وقتها، ناضلنا وأوصلنا الأخبار في مواعيدها، بمهنية وحيادية تامة، وكنَّا نفتخر لما تزداد مصدقايتنا، حينما كنا نرى الناس تطالع ما نكتب ورقيا، وتعتبره هو صوتها الصامت، ورأس مالنا كان يزداد لما صرنا صوتا لهذه الأغلبية الصامتة.
…..
اليوم، في جيب كل منا راصد لكشف حياتنا اليومية وتفاصيلها، إنه قاهر الشكوك والوساوس، أتعلمون من يكون هذا، إنه الهاتف الذكي، الذي يغار منه الآباء، والأمهات، والأولياء والزوجات، والعشيقات، فالتطبيقات الموجودة في الهواتف الذكية، غيرت سلوك الإنسانية، وصارت حياتها مراقبة ومترصدة للأماكن المتواجدة بها، والتوصل بالرسائل التي تتلقاها عبر تطبيق بسيط لايكلف ذكاءً خارقا. من غير أن ننسى أو ننكر أن الهواتف الذكية لها دور كبير في تقديم إضافة إلى حياتنا عبر انخراط الناس والاستفادة من الإعلام الجديد، الصريح والكاشف لكل مظالم البؤس والاحتقار المستشرية في المجتمع.
عزيزي القارئ… احذر أن تقبل هدية على شكل هاتف ذكي من نوع سامسونغ أو أيفون. واحذر أن تبيع هاتفك القديم، أو تقدمه كهدية لزوجتك أو أقاربك أو أصدقائك، وخير طريقة إن كان لا يهمك المال، إذهب عند أي مالك لحمام شعبي، واسأله عن بيت النار، موضع تسخين الحمام بالحطب، والقي بهاتفك هناك لتتأكد أنك تخلصت منه إلى الأبد.
فالعارفين بخبايا الهواتف الذكية يستطيعون إحداث تطبيق وكود خاص، يدخلون إلى هاتفك، من غير أن تشعر، فدرب غلف بالدار البيضاء التي قهرت كبريات الشركات بكوريا والصين ما يزال عفاريت فتح الكودات بالمغرب يمارسون نشاطهم وبربح وافر نكاية بالذكاء الاصطناعي الغربي.
أيام زمان لمَّا كنا نستيقظ نقول لأسرتنا صباح الخير … ولما نعود إلى البيت، نقول السلام عليكم . اليوم اختفت البونجور وصباح الخير وعوضتها كلمات لايك التي منها أعجبني وأحبني.
واختفى ألبوم الذكريات، ودفتر الذكريات ومواعيد العشاق في الحديقة العمومية، أو في رأس الدرب أو الشارع أو أمام مول الحانوت (بائع المواد الغذائية) أو المخبزة وبائع الحليب، الحبُّ أصبح على طريقة لايكات وواتساب إتمسخ بلغة وحروف أبجدية هجينة مجردة من العواطف.
الحبّ صار صورا جاهزة ، ولايكات واختفت تلك اللغة الجميلة المبتكرة ،التي كانت تسمى أيام زمان بالبصبصة الجميلة، ومعاكسة الفتيات الجميلات بالكلام الشاعري والعاطفي، المقتبس من كلام الملحون ومن الأغاني العاطفية لـ أم كلثوم، واسمهان، وعبدالحليم، حافظ، وفريد الأطرش، ووردة الجزائرية . وأين تلك الرسائل الغرامية التي كانت تدبج في ورقة وزارية (بابي منستر) مُصاغة على طريقة كتاب الرسائل الغرامية لـ صبري يوسف، وتطوى تلك الرسالة بعناية في مظروف بعد أن يختم على توقيع العاشقة الولهانة، أو العاشق المتيم، قلب يخترقه سهمان والدم يسيل قطرات، وقطرات بالأحمر القاني.
مقالات اخرى للكاتب