إن المولد النبوي الشريف مناسبة سعيدة اعتاد على إحياء شعائرها المسلمون في الثاني عشر من ربيع الأول من كل سنة هجرية جديدة، كما هو شأن النصارى في الاحتفال بميلاد سيدنا المسيح عليه السلام في كل سنة ميلادية جديدة، ولكن ما يثير التساؤل فعلا: هل الإقتداء بأنبياء الله مبني في أيامنا هذه بالانصياع لصوت الضمير أم على عكس ذلك؟
كل هذا دفعنا لنفتح المصحف الشريف على قول القادر عز وجل في شأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فنقرأ ما يلي: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا" (سورة الأحزاب: 21)، ويقول أيضا في شأن عيسى عليه السلام: "إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل" (سورة الزخرف: 59). هذا ما يدفعنا للوقوف أمام المسلم الذي بات يعيش الإسلام اليوم دون أدنى التفاتة إلى ضميره لأنه يرفض تكبد المشقة الشديدة في العمل على إرضاء الخالق، والأغرب من ذلك هو اهتمامه الزائد بإرضاء الناس من حوله
وأكبر مثال هو طقوس الاحتفال بمولد خير الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام التي أصبحت تخليدا للذكرى بالأفواه لا بتقوى القلوب، فأين نحن من سيرة الصادق الأمين يا ترى؟ أصبحنا نعيش زمنا غلب فيه الكذب على كلمة الحق، وفاحت رائحة الخيانة بين المسلمين في زمن غاب فيه الأمناء إلا ما رحم ربك، وكلنا نقرأ قول الله سبحانه وتعالى: "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا" (سورة النساء: 58)، حتى أننا نرى بأعيننا من يتبع ضميره بشكل جزئي بمعنى آخر هو يختار من الإسلام ما يتفق مع مصلحته الخاصة ويخالف غير ذلك.
وفي هذه المناسبة السعيدة التي يحييها المسلم في هذه الأيام المباركة يجب أن نتذكر سويا أن سيدنا المسيح وحبيبنا أحمد عليهما أفضل الصلاة والسلام كانا يراقبان الله في جميع أقوالهما وأفعالهما، فيفعلان كل ما يرضي القادر عز وجل، ويتجنبان كل ما لا يرضيه فهما من أنبياءه المخلصين، ورغم ذلك فمها مدركان أن كل مخلوق على وجه الأرض سيحاسب على ما فعله في حياته الدنيوية وبناء على هذا الحساب سيتقرر مصيره الأبدي يوم الدين.
ومع ذلك فإننا في آخر الزمان نجد أن الكثير من الناس منشغلة بحياتها اليومية فهناك من ينشغل بماله وذريته وهناك من ينشغل بعلمه وو... ونادرا ما يقتطعون دقائق للتفكير بنعم ربهم، بل ما يهمهم هو كسب محبة المخلوق ذكرا كان أو أنثى أكثر مما يعطون من الأهمية لإرضاء خالقهم وهذا ما نسميه الجحود بالنعمة كما فعل ذلك إبليس لعنه الله حيث يقول القادر عز وجل في شأنه: "قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين" (سورة الأعراف: 12).
إن نية المسلم في إتباع ضميره أهم من الفعل بعينه، وإن كان يريد رضا الله فعليه إخلاص النية في كل ما يريد فعله. وكلنا نعلم أن الله قد خلق
النفس البشرية وجعل فيها الفجور لقوله جل جلاله: "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها" (سورة الشمس: 7-10)، وهذا يجعلنا نستنتج أن النفس تشير كاليد إلى طريقين: السلبي الذي يدفعنا إلى اقتراف الذنوب والإيجابي ما يدفعنا دوما إلى تحصيل الحسنات.
هذا يدفعنا من جديد لنقف أمام مرايا نفوسنا اليوم على وجه التحديد، ونحن نحيي مولد شفيع الأمة المحمدية عليه أزكى الصلاة والتسليم ونستذكر سيرة ابن مريم عليه السلام لنحاول مناجاة ضمائرنا التي يتلاعب بها كثيرا ذلك الشيطان الذي سيظل يلاحقها إلى أن نموت، كما هو شأن النية الخالصة لله التي تدفع صاحبها إلى القيام بما ينجيه من عذاب الله يوم القيامة، وبالطبع فإن التفكير في هذه المسألة لا يكفي بل لا بد من بذل الجهد لتطبيق ذلك باستمرار لقوله تعالى: "ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا" (سورة الإسراء: 19).
وكثيرا ما نشاهد الكثير من الناس اليوم يقوم بما يمليه عليه ضميره على أمل أن يلقى جزاء من المخلوق كالأثرياء على سبيل المثال، فلا بد أن يأتي يوم في حياته وسوف يصاب بخيبة أمل لا محالة، على خلاف من يفعل ذلك محتسبا أجره عند الله فحتما ستأتيه الجائزة من عند من لا تنفذ خزائنه في الدنيا والآخرة مهما طال الزمن.
وخير ختام قوله تعالى: "وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين" (سورة القصص: 55)، فالقرآن العظيم يزودنا دائما بما ييسر حياتنا ويبسطها للحفاظ على نهج الأنبياء كالسيد المسيح ومحمد إمام المرسلين عليهما الصلاة والسلام لكسب رضا الله عز وجل وهذا هو حبل النجاة لكل إنسان حكيم حي الضمير.
مقالات اخرى للكاتب