كثيرة هي المحطات المرعبة التي نتوقف عندها بين فينة وأخرى، وقد تكون محطة الرز البلاستيكي التي نقف عندها اليوم أحداها وليست آخرها، وما جعل لهذه المحطة وقعا كبيرا على العراقيين تزامنت مع توزيع الوكلاء الأرز التالف، وما زاد من مخاوف الكثيرين الفيديوهات التي أطلقها ويطلقها أشخاص على شبكة الانترنت تربط بين الرز التالف والرز البلاستيكي، فيديوهات فعلت فعلتها على الرغم من عدم ظهور وجه المتحدث ولا يمكن للمشاهد الاستدلال على أماكن تصويرها، لكن الحديث باللهجة العراقية، وكأنها رسالة موجهة الى المجتمع العراقي، لتأجيج المخاوف وزرع الرعب في قلوب الناس، فيما تحدثت تقارير صحفية بأنه أنتشر قبل أعوام في بلدان عديدة، وأكتشف للمرة الاولى من قبل ربات البيوت في البلدان الآسيوية، هذه هي الحقيقة وهنا لا اريد أن أقلل من تقصير القائمين على استيراد وتوزيع الرز التالف. مزاح لطيف استمعت له من بعض المتجمعين لدى الوكيل عند أستلام الوجبة الاخيرة التي حوت الرز التالف، ولعل اجمل مزحة قالها أحدهم وهو يسدي لي نصيحة وأنا أحمل الرز قبل خروجي من الوكيل حيث قال : ضع عليه بعضا من البهارات والهيل كي تستسيغه دجاجاتك !! عبارته أضحكتني أياما، لكني لم أعمل بنصيحته، كل ما فعلته نقعه واعطاءه الى ديكي الوحيد الاعزب، تقبله بلا بهارات ولا حبة هيل واحدة، وبكمية تفوق حاجته بكثير، أذ لم يحصل على هذه الكمية من زائد ما كنا نأكل قبل دخول هذا الرز العجيب، وانا على يقين لو كان قادرا على الكلام لشكر القائمين على الاستيراد وتمنى ان يكرروا هذه الخطوة المباركة . قضية الرز التالف ليست سوى حلقة في سلسة طويلة مقلقة للعراقيين، والغش في اسواقنا لم يستثن حتى الدواء، قضايا تبرز بين حين وآخر ومن ثم تعود لتخبو من جديد، من لحوم كلاب وحمير وحيوانات نافقة الى عسل صناعي ومغشوش لا يكلف غير قليل من السكر، يباع من قبل البعض مستغلين أسمائهم كمنتجين للعسل وهم تجار ليس الا، والادهى والامر أنه يستخدم مكون رئيس في خلطات علاجية للمرضى والفقراء، يقتطعون ثمنه من قوت أطفالهم، تعسا لهؤلاء ولفعلهم القبيح يمثلون على الابرياء الورع والصدق والأمانة.
قضايا تثار ثم تختفي وتبقى كثير من الاسئلة دون أجوبة شافية، قاسمها المشترك الجشع الذي يسكن عقولهم ويتحكم بفعلهم القبيح على حساب قوت وارواح البشر، دون حرمة حق ولا حصانة مأكل. قبل أيام أثيرت قضية الرز التالف على احدى المجموعات التي جمعتني بعدد كبير من المختصين في الزراعة والاغذية، البعض لا يميز بين الرز التالف الذي وزع مؤخرا وقضية الرز البلاستيكي الذي تجتاح تقاريره مواقع التواصل الاجتماعي هذه الايام، استمعت لطروحات عديدة، لكن الطرح الذي استوقفي وأخذ حيزا من تفكيري تفسير أحد أصدقائي حيث قال : أرى أن أسباب أثارة هذه الزوبعة في هذا التوقيت وبالتزامن مع الوجبة التالفة اقتصادية بحته يراد منها تغير أتجاه بوصلة سلة الغذاء العراقية من البلدان الاسيوية الى وجه أخرى بقصد تحقيق مكاسب، وهذه الجهات هي من أطلقت حملتها مع توزيع الرز التالف في البطاقة التموينية وتصويره على أنه هو الرز البلاستيكي.
المشكلة الحقيقية أن تفنيد هذا الخبر لم يأت من جهات علمية رصينة وموثوق بها، فهم ادرى من غيرهم، أما أن يفند الخبر من أشخاص بعيدين عن العلمية ، من مسؤول، فلن يلقى آذاناً صاغية، كونها الخصم في هذه القضية. خرج علينا أحدهم ذات مرة وقد وضع وأمامه طبقا مطبوخا من الارز سمى عليه وأكل وحمد الله وقال (رز ممتاز)، الغريب أننا لم نحصل على الطعم الجيد على الرغم من قراءتنا للأدعية مع البسملة، ولم يتغير طعمه الزنخ.
قضايا كثيرة وكبيرة تجعلنا نتوجس خيفة على صحتنا، والطمأنينة لا تأتي الا عبر إجراءات رادعة بعيدة عن الرأفة، ليكون المتلاعبون لغيرهم درساً، ولسواهم عبرة، تمنع اي تلاعب بقوت المواطنين، سلطة قوية مستقلة مسؤولة ومسائلة قادرة على صون قوتنا، تشعرنا بالطمأنينة والارتياح، والبداية من العزيزين (الطحين والرز)، وحين تمتلئ بطوننا بأجود أنواعهما سندعو لهم بالخير، بدلا من الدعاء عليهم وهم يملأون التالف منه حوصلة ديكي وجيوب الفاسدين.
مقالات اخرى للكاتب