فساد النظام السياسي يصطحب معه فسادا ً إجتماعيا ً، ومظاهر سلوك شعبي منحرف يعد إنعكاسا ً لسلوكيات وإفرازات النظام السياسي ، وإذا ماتحدثنا عن خمسين سنة وأكثر من فساد النظام العراقي 1963- 2015، تقابلها إزدواجية آخذة في التركز في الشخصية العراقية ، كما كشف عنها المفكر العراقي علي الوردي ، فأن المحصلة ، شعب يجنح الى العنف والقسوة حتى في التعبير عن الفرح .
ترددت في ذهني هذه الأفكار وانا اقرأ عن موت وجرح أعداد ليست قليلة بالرصاص الذي اطلقه بعض المعتوهين والأغبياء والسذج ،بمناسبة فوز المنتخب العراقي على منتخب ايران، هذا الإنسياق لسلوكيات ومفاهيم شاذة وغبية للتعبير عن الفرح ، دون التفكير بنتائجه السلبية الوخيمة على الآخرين ، تكشف عن هيمنة مشاعر العنف والقسوة على سلوكيات الكثير من افراد المجتمع ، ويكرسه مجتمعا ً عنفيا ً إرهابيا ًبعيد كل البعد عن المدنية والسلوك السوي ّ.
قبل 2003كان مجرد إطلاق رصاصة واحدة يكلف صاحب العرس أو مجلس العزاء شهر سجن مع مصادرة السلاح ووضع الشخص موضع متابعة من الأجهزة الأمنية ، كانت عقوبة قاسية في ظل غياب الإرشاد ووضع العلاجات لممارسات تتظاهر بالشجاعة والقوة المفرغة من مضامينها الإنسانية أو الإجتماعية .
بعد 2003 وتكاثر شعارات الديمقراطية والحرية والمدنية ، تزايد هذا السلوك الوحشي وهو يترجم رغبة في الإنتقام واستفزاز الآخر ،فصار التعبير عن الوجود بعنف وقوة يقترن بالرصاص، ولايختلف كثيرا ًعن الإرهاب ونتائجه سوى انه لم يرفع شعارات الميليشيات ، أو يافطة سوداء تحمل شعار "لاالله الا الله محمد رسول الله " .
إطلاق الرصاص في مفاهيم الوعي الإجتماعي المتناقلة تاريخيا ً ، يعني إشعار الآخرين بوقوع حدث ما غير طبيعي ، وبسبب إنعدام وسائل الإتصال يتم التبليغ وإلفات النظر عبر إطلاق الرصاص في الهواء ، ومع هذا التنوع بوسائل الإتصال الذي جاءت به ثورة العلم من بلاد الغرب الكافر ، ظلت مجتمعاتنا تعيش عبودية الإنتماء لممارسات الماضي ومايحمل من تخلف وإنحطاط مقارنة بسلوك التحضر والمدنية لدى بقية الشعوب .. ، ونقول هذا لأن من يقع الموت بين أفراد اسرته وأطفاله لايجد من وسيلة سوى استنكار هذه الجرائم التي تمارس بعنوان " الفرح الوطني " ، بغضب وانتقام مضاد .
تكاثر الرصاص يضيع ملامح الجريمة والقتلة ايضا ً ، وفي ظل هزالة القانون وفوضى السلاح وإنعدام التثقيف ووسائل الإرشاد والتربية والمحاسبة الواقعية ، يرافق ذلك انتشار الميليشيات وعصابات الجريمة ، وتعدد السلطات المسلحة التي أحالت بلادنا الى معسكر حربي وساحات رمي مفتوحة ، نكون قد حققنا مايريده الإرهاب وقانون المؤامرة في جعل بلادنا مكرسة للإرهاب ، وجعل الشعب يقتل بعضه ليس بدوافع طائفية حقيرة وحسب ، بل بنتيجة " الطوبة" أو " وفاة شخص هرم جاوز الثمانين من العمر...!
مجتمعنا يعاني إزدواجية الشخصية مرة ، وإنفصامها مرات ، وتلك ابلغ الخسائر التي تعرضنا لها خلال مائة سنة منصرمة ، فهل يوجد تخلف إجتماعي أبلغ من هذا ...؟
مقالات اخرى للكاتب