إن معرفة الحق من أهم أهداف خلق الخلق ، والحق هي القمة التي يدور حولها صراع الخير مع الشر والنور مع الظلام ، ومن خلال معرفة الحق يمكن تشخيص كل الأحداث وأدواتها في الكون إذ يقول الله سبحانه وتعالى (فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون )...(1) وقد أكد ذلك أمير المؤمنين من خلال قوله (ع) الحق لا يعرف بالرجال أعرف الحق تعرف أهله... (2) ، فهذه قمة المعرفة وأعلاها منزلة وأكثرها نقاوة وهذا مطلب العارفين والزاهدين كما يظهر ذلك جلياً بمقولة سيدالعارفين وإمام الموحدين علي بن أبي طالب (ع) ( لو كشف لي الغطاء ما زددت يقينا )....(3) ولكن هذا المقام ليس من السهولة الوصول إليه , ولكنه المطلب والمبتغى الذي تصبوا إليه القلوب وتشبح إليه العيون ، وللوصول لهذا المستوى والمقام في كثير من الأحيان يتطلب الدليل لتأكيد الحق وإثباته ومن خلال هذا الدليل نصل الى المبتغى والهدف المنشود الذي يريده الله سبحانه وتعالى لنا ، وعلى هذا المطلب الكثير من الأمثلة والشواهد فهذه الأُمة الأسلامية وفي مقدمتها الكثير من علمائها قد أستدلوا الى الحق في معركة صفين ومعرفة البغاة من خلال الصحابي الجليل عمار بن ياسر رضوان الله عليه الذي قال فيه رسول الله (ص)(ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار )....(4) ، ولكن هذه الأُمة وعلمائها قد أداروا بوجههم عن هذا الحق الذي أكده رسول الله من بداية الدعوة الى ساعات إحتضاره ، فكان حديث الدار والنوم بالفراش والموأخاة والخندق وحديث برز الإسلام كله الى الشرك كله وضربة علي في يوم الخندق تعادل عبادة الثقلين وفتح خيبر وحديث سأعطي الراية غداً الى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله والأيات الكثيرة في حقه كأية الولاية ( التصدق بالخاتم ) المباهلة والتطهير وغيرها كثيروتبليغ سورة براءة وحديث المنزلة وحديث الطائر المشوي وحديث الولاية ورزية يوم الخميس....(5) وحديث رسول الله(ص) في حقه (علي مع الحق والحق مع علي حيث كان) ...(6) و( علي مع القرأن والقرأن مع علي، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض )...(7) وحديث رسول الله (ص) لعمار بن ياسر(ياعمار إن سلك علي واديا والناس واديا فأسلك وادي علي فإنه لن يدخلك في ردى ولن يخرجك من هدى)....(8) والله سبحانه وتعالى يقول ( الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ) ....(9) ، على الرغم من هذا الكم الهائل من الأدلة التي تثبت أن الحق مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ولكن الأمة قد نقذت نفسها من خلال حديث رسول الله (ص) لعمار رضوان الله عليه على الرغم من معرفة الأمة جميعها بمعاوية الطليق بن الطليق الذي كان يقول ابوه أبو سفيان عندما أستلم السلطة عثمان بن عفان تلقفوها يا بني أمية تلقف الصبيان بالكرة والذي يحلف به ابو سفيان لا جنة ولا نار وكذلك تعلم الأمة من هم بني أمية وما هي سابقتهم في الإسلام ولكن الأمة لم تستيقظ من غفوتها إلا بحديث قتل الفئة الباغية لعمار(رض) ، إذا كانت الأمة قد ضاعة أمام بني أمية وتاهت لولا نور عمار بن ياسر (رض) فما بالك بالأمة أمام صحابة رسول الله (ص) الأوائل فكيف ستكون إذا كانت هناك قد غفت فإنها هنا ستكون في سبات عميق لا يمكن التمكن من إيقاذها إلا بدليل قوي لا يمكن الوقوف أمامه وهذا ماعلّمنا به رسول الله (ص) حين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ,فألاداة التي يجب أن نستعملها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب أن تكون بمستوى الأمر لذلك كان التسلسل في الأدواة قال رسول الله (ص) ( من رأى منكم منكرا فاليغيره بيده فأن لم يستطع فبلسانه فأن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الأيمان )....(10) فلهذا فمسئلة بخطورة الولاية والخلافة ومع ترك الأمة للحق فيجب أن نقدم الدليل القوي النافذ الذي يكون بخطورة الحدث وما يحتويه من عناصر وقوتها فكانت فاطمة (ع) وصفاتها وفضائلها ، قبل أن نقدم الدليل يجب علينا أن نقدم علاقة رسول الله (ص) بفاطمة (ع) وهل ما يقول بحقها سلام الله عليها لكونها أبنته أم العلاقة ترتبط بإلله سبحانه وتعالى فقط ، وليس للعلاقة الأبوية أي تدخل لا من قريب ولا من بعيد كما تبينه هذه الأيات الشريفة مع العلم يجب أن نطيع ونتبع رسول الله (ص) بكل ما يقول ويفعل قال ألله سبحانه تعالى ( وما ينطق عن الهوى أن هو إلا وحيٌ يوحى )...... (11), (ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين ).... (12) ( وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فنتهوا )..... (13), قال عمر لأبي بكررضي الله عنهما : أنطلق بنا الى فاطمة فإنا قد أغضبناها فإنطلقا جميعا فأستذنا على فاطمة فلم تأذن لهما فأتيا عليا فكلماه فأدخلهما عليها ........... فقالت : نشدكما الله ألم تسمعا رسول الله (ص) يقول : رضا فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحب فاطمة أبنتي فقد أحبني ، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني ، قالا : نعم سمعناه من رسول الله (ص) قالت فإني أشهد الله وملائكته إنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه ، فقال أبو بكر أنا عائذٌ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة ! ثم أنتحب يبكي كادت نفسه أن تزهق وهي تقول والله لأدعون عليك في كل صلاة أصليها . ثم خرج باكياً فأجتمع الناس إليه فقال لهم : يبيت كل رجل معانقا حليلته مسروراً بأهله وتركتموني وما أنا فيه لا حاجة لي في بيعتكم ، أقيلوني ...(14) ، وقد قالت فاطمة عليها السلام في مكان أخر ( والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله )..(15) وقد ذكر صاحب صحيح البخاري وهو أصح كتاب عند أهل السنة بعد القرأن الكريم في صحيحه وقد ماتت فاطمة وهي غضبانة أو وجدانة على الشيخين ... (16) قال رسول ألله (ص) ( فاطمة بضعةٌ مني فمن أغضبها أغضبني ) ...(17) (أن ألله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضا فاطمة ).. (18) (إنما فاطمة بضعةٌ مني يؤذيني ما أذاها )....(19) , وعن مجاهد أنه قال خرج النبي (ص) وهو أخذ بيد فاطمة ,فقال : (من عرف هذه فقد عرفها , ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد , وهي بضعة مني وهي قلبي , وهي روحي التي بين جنبي , من أذاها فقد أذاني , ومن أذاني فقد أذى ألله )...... (20) ونتاجاً لهذه الاحاديث الشريفة تبرز لنا وتتجلى حقائق خطيرة للغاية من كتاب الله تعالى أسمه قال الله سبحانه وتعالى (والذين يؤذون رسول ألله لهم عذاب أليم )..... (21),( إن الذين يؤذون ألله ورسوله لعنهم ألله في الدنيا والأخرة وأعد لهم عذاباً مُهينا )..... (22) , ( ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى )...... (23) أي من أذى فاطمة عليها السلام وأغضبها فقد أذى الله سبحانه وتعالى وأغضبه ومن يغضب ويؤذي الله سبحانه وتعالى حسب هذه الأيات الكريمة يلعنه الله ويدخله في جهنم ويعذبه عذاباً مهينا ، هذا كله في الأخرة ولكن الله سبحانه وتعالى أمر المؤمنين أن لا يتولوا من غضب عليه و لايجعلوه خليفةً لهم في هذه الدنيا أي من يغضب فاطمة عليها السلام يرفض الله سبحانه وتعالى ولايته وخلافته الى يوم القيامة حسب هذه الأية الكريمة قال ألله سبحانه وتعالى ( يا أيها الذين أمنوا لا تتولوا قوماً غضب ألله عليهم قد يئسوا من ألأخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور ).... (24) ، أي الذي تغضب عليه سيد نساء العالمين ينهي الله عن توليه وجعله خليفة للمسلمين بل يعاقب الله سبحانه وتعالى كل من يتولاه لأنه يعصي أوامر الله سبحانه وتعالى المذكورة في الأية أعلاه ، لهذا إحتجنا لإظهار بطلان خلافة من أغتصب الخلافة السيدة فاطمة عليها السلام وما تمتاز به من خصائص وصفات لأن الأمة تحتاج لهزة عنيفة لكي تنهض من سباتها العميق وهي أمام هذه الضبابية التي يحاول أتباع الخلفاء خلقها ، بسبب المكانة التي كان يتمتع بها من أغتصب الخلافة مقارنة ببني أمية الذين لم يدخلوا للإسلام إلا كرهاً وطمعا ً فكان الصحابي الجليل عمار بن ياسر (رض) وحديثه أما مسألة الخلافة فيجب أن نستعمل دليل بقوة الحدث وخطورته فكان نور فاطمة (ع) الذي كشف الظلام وبدد الضباب وجعل طريق الحق أكثر إشراقاً ووضوحاً ، فكانت فاطمة (ع) دليلنا لتثبيت الحق وإظهاره ودعمه .
(1) سورة يونس أية 32(2) روضة الواعظين – الفتال النيسابوري ص31(3) أبو هريرة – السيد شرف الدين ص81(4) قال العلامة الزرقاني في شرح المواهب ج1 ص366: رواه البخاري في بعض النسخ ومسلم والترمذي ,تاريخ الطبري ج11ص357(5) لم أذكرالمصادر لكل هذه الأحداث لشهرتها ومعرفة الناس بها(6) مجمع الزوائد ج7ص235,المعيار والموازنة –ابو جعفر الأسكافي ص35,شرح نهج البلاغة – أبن أبي الحديد ج2ص297(7) الجامع الصغير-جلال الدين السيوطي ج2ص177,المعجم الصغير- للطبراني ج1ص255, مجمع الزوائد – للهيثمي ج9ص134(8) الصراط المستقيم- علي بن يونس العاملي ج1ص275(9) سورة الزمر أية 18(10) المحلى – أبن حزم ج1ص27(11) سورة النجم أية 3-4(12)سورة الحاقة أيات 47,46,45,44 (13) سورة الحشر أية 7(14) الإمامة والسياسة _ أبن قتيبة ج1ص14,أعلام النساء ج3ص1214(15) شرح أبن أبي الحديد ج1ص134,ج2ص19(16) صحيح البخاري ج5 ص117,البيهقي , السنن الكبرى ج6 ص300 (17) صحيح البخاري 5-26 (18) معاني الأخبار ج2ص303 (19) صحيح مسلم 7-14(20) نور الأبصار للشبلنجي ص52(21) سورة التوبة أية 61(22) سورة الأحزاب أية 57(23) سورة طه أية 81(24) سورة الممتحنة أية 13