بداية دعونا نتعرف قليلا على أصل المنارة دون الخوض في تفاصيل التاريخ، فقد تم تشييد جامع كبير في ذات مكان المنارة في مطلع القرن الثالث عشر الميلادي 598 هجرية من قبل قطب الدين محمد ابن عماد الدين زنكي، وهي ضمن مجموعة منارات بنيت في عهد الاتابكة وحملت اسمهم ومنها منارة اربيل ومنارة الحدباء في الموصل، وقد تعرضت خلال السبعمائة سنة من تاريخ بنائها للكثير من الهدم على أيدي الغزاة الذين كانوا يقصدون سنجار لذات الأسباب التي دفعت داعش اليوم إلى استباحة المدينة وتدميرها وهدم كل معالمها الحضارية والاثارية بما فيها المنارة.
بعد سقوط نظام صدام حسين سيطرت مجاميع من الأهالي على معظم مفاصل الإدارة حتى وصول قوات البيشمركة التي أشاعت الأمن والسلام وأوقفت الفوضى العارمة التي صاحبت سقوط النظام، بل واستطعنا إعادة الحياة إلى كل أجهزة الإدارة والخدمات خلال اقل من أسبوع بما فيها المدارس والمستشفيات والشرطة والمحاكم وبقية الدوائر ذات العلاقة بالخدمات الأساسية كالماء والكهرباء.
بعد أكثر من شهر وصلت بعض القوات الأمريكية، ووصل معها الجنرال ديفيد باتريوس الذي كان يقود الفرقة الرابعة التي تمركزت في الموصل حينذاك، وطلب الاجتماع مع ممثلي الأهالي من كل المكونات والأديان والفعاليات السياسية والاجتماعية إضافة إلى قادة البيشمركة في المدينة، طالبا انسحابها إلى حيث مواقعها الأصلية مبررا ذلك بأنه لا يجوز بقاء قوتين مسلحتين في نفس المكان، ومدعيا بان مكونات غير الكورد لا تستسيغ بقائها، فتحدثت إليه قائلا يا سيادة الجنرال نحن نقاتل نظام صدام حسين منذ عشرات السنين ولم يمض على صراعكم معه إلا أسابيع، وقوات البيشمركة قوات حليفة حالها حال بقية التحالف الدولي والذين يعترضون عليها هم عناصر النظام وأزلامه الذين خسروا امتيازاتهم، وقد نجحت خلال اقل من أسبوع إلى إعادة دورة الحياة إلى المدينة دون أن تفرق بين مكوناتها القومية والدينية.
عموما بعد مفاوضات جرت بين القيادات الرأسية تم سحب البيشمركة لكي تستقر قوة منهم، اشترطنا أن تكون خارج المدينة وتحديدا في ذات معسكرات جيش صدام، وفعلا هذا الذي حصل حيث بدأت العناصر الموالية للبعثيين والمضادة لهوية المدينة الكوردية التغلغل إلى مقراتهم هناك، حتى تفاجأنا عصر احد الأيام بمداهمة قوة أمريكية لمقرنا وبدأت بتحطيم الأبواب المقفلة وكسر الدواليب ومصادرة السجلات وإنزال علم كوردستان وصور الزعيم مصطفى البارزاني والرئيس مسعود، ثم أبلغتنا بان رفع علم كوردستان سيؤدي إلى غلق المقرات واعتقال المسبب، ثم غادرت إلى معظم الدوائر والمقرات التي ترفع العلم وأنزلته وصادرت معظم الصور، وقد شاهدنا عناصر محسوبة على النظام السابق ومجاميع من مرتزقته المعادين لهوية المدينة وانتمائها يقودونهم إلى حيث يرفع العلم الكوردستاني.
يومها عقدنا اجتماعا مهما طلبنا فيه من كل الأهالي رفع علم كوردستان على البيوت، وكلفت مجموعة أخرى باعتلاء منارة سنجار ولفها بالعلم الكوردستاني الذي صمد حتى استبيحت المدينة من قبل داعش، رغم أن الأمريكان في اليوم الثاني أصيبوا بالذهول حينما رأوا مئات الأعلام ترفرف على أسطح البيوت والعمارات وفي قمة المنارة، إلا أنهم اعترفوا وهم يعتذرون عن تصرفهم الأحمق حيث قدم آمر كتيبتهم ومجموعة الاقتحام الذين تقدموا واحدا تلو الآخر مبدين اعتذارهم وتأسفهم وإعجابهم بالأهالي وتصرفهم الحضاري، وقاموا برفع العلم الكوردستاني بكل احترام في مقرنا وبقية المقرات.
داعش منظمة همجية وما تقوم به يدلل على غبائها الذي لا يفرق عن غباء أولئك الذين قادوا الأمريكان وورطوهم بإنزال علم كوردستان، منظمة غبية وبليدة لأنها لا تدرك بان هذا الشعب سيعيد بناء منارته ويجعلها متحفا يضم كل آثارنا ويذكر أجيالنا بهمجية وإجرام وبلادة كل من يعادي الشعوب وهويتها وإرادتها في الانعتاق والتحرر.
هم طارئون ونحن الحالة الطبيعية وهم استثناء ونحن الأصل، تلك هي الحكاية!
مقالات اخرى للكاتب