من يراقب التطورات الأمريكية وواقعها الجديد المتمثل بقلة خبرة الرئيس ترامب في السياسة , يتأكد لديه إن السياسة الستراتيجية الأمريكية الجديدة عامة, و تجاه العراق خاصة مرتبكة وغير مستقرة. وإن الواقع الأمريكي اليوم, هو إنَّ فريقان يتنافسان على توجيه دفة هذه السياسية .الفريق الأول الساعي للأهتمام بالوضع الداخلي الأمريكي ومعالجة الأقتصاد. والنهوض به إزاء إقتصاد دول إزهرت ونافست الأقتصاد الأمريكي لا بل فاقت عليه وتعدت أمريكا وإقتصادها مسافات شاسعة .فتمددت وتوسعت تجارياً وسياساً وعسكرياً حتى آلت شمس أمريكا للغروب وأفلت. كما أفلت شمس القارة العجوز بريطانيا وقبلها شمس دولة بني عثمان حين سُمِّيَتْ بالرجل المريض وقُسمت أراضيها بين الدول العظمى.
أما الطرف الآمريكي الآخر وهو الأخطر فهو من يدفع بإتجاه إشعال الحروب في الشرق الأوسط وإختلاق المشاكل والأزمات والذرائع ليدفع بالرئيس ترامب بهذا الأتجاه لأشعال حرب في المنطقة .سيّما إن الرئيس ترامب عُرِفَ عنه التقلب في المواقف. وعند نجاح هذا الطرف في مسعاه ومخططاته . فسيظهر المحور القديم الجديد للساحة الدولية والأقليمية بجلاء وبقوة للعلن. ويعلو صوته وهذا المحور سيتكون من أمريكا ودول الخليج وتركيا وإسرائيل .والمرام والهدف هو تحقيق الأهداف الأمبريالية القديمة وهي تجارة السلاح ,والسيطرة على منابع النفط ومصادر الثروة الأخرى, وتأمين وسلامة الشرطي الأمريكي, وهيَ إسرائيل العصا الغليظة التي تخيف المنطقة. التي تصول وتجول دون رادع.
فأين نحن من هذا الأمر؟ سيمّا وقد تبينت لنا نتيجة زيارة السيد العبادي لأمريكا ونتائجها ؟. فالمهم أن نحصي ونتبين حساب البيدر لأن وقت التعويل على الحقل مضى .والواضح إن أمريكا والدول المتحالفة للحرب على الأرهاب.وخلافاً للتوقعات لم تهب العراق هبات تعادل ما قدمه العراق من تضحيات وخسائر بحربه داعش نيابة عن العالم كله. وخسائره الجسيمة بشرياً ومادياًلا تقدر ولا تُعَدُ
ولا تحصى. فلم تقف هذه الدول وأمريكا الوقفة المطلوبة . و لم تَعِدنا ببناء ما تهدم من العراق وليس لديها أي مخطط لأغاثة 3 ملايين نازح يفتقرون لأدنى متطلبات إستمرار الحياة من سكن ودواء وغذاء وتعليم.وليس لهذه الدول عامة وأمريكا بشكل خاص أيَ مخطط لتعمير ما تدمر نتيجة للأحتلال الأمريكي وسياسات أمريكا الفاشلة في المنطقة ولم نسمع سوى وعود خجولة سيتنصل منها من وعد.أمّا الأسناد العسكري فلم تبدِ أمريكا جدية ملموسة. ولم تباشر بقتالِ جدي ضد داعش,حتى في هذا الوقت العصيب لم تتدخل طائرات الأباشي لتساند قواتنا البرية في قتالها ضد داعش في الأزقة الضيقة الذي نحتاج فيه لمساندتها الفعلية . وهذا يدعنا الى القول بأن حساب بيدرنا خاسر. فأمريكا المتخبطة سياسياً ستستمر بضربات جوية وفق ماترى لمساعدة القوات العراقية لطرد داعش من المدن لا غير .وستدع داعش والأرهاب في أوكارالذئاب في الريف والصجراء للهجوم على المدن متى تشاء لتربك الحياة في العراق عامة وفي المناطق الغربية خاصة وتعطل الأعمار والإنماء وتعيق مسعى العراقيين لتعويض خسائرهم بسبب السياسة الأمريكية القديمة الجديدة الفاشلة.
إذن ومن خلال هذا علينا أن نقتنع أن لا مستقبل لنا إلا بالتفاهم بيننا بودٍ ومحبة وبصراحة تامة. للتفاهم والتعايش بسلام, ووضع خطط جديدة مبنية على مصلحة العراقيين عامة دون الألتفات للأنتماء الطائفي أو المناطقي. وهذا لن يحدث بوجود هذه الوجوه القديمة. التي قادتنا من كارثة لأخرى. وأوردتنا شرَّ مورد. وهما الفساد و الأقتتال الطائفي وتدمير البلاد على رؤوس أهلها.
الفرصة أمامنا اليوم متاحة سيّما وجود السيد العبادي بمنصب رئيس الوزراء وهو مَنْ إئتلفَ وإلتفَ حوله العراقيون تقريباً . فهو رغم تردده بإتخاذ القرارات وضعفه, سيكون أكثر جرأة وقوةً ومضياً في طريق الأصلاح . لو ألتففنا حوله , مبينين له كوامن الضعف التي يجب إصلاحها. لننطلق بمسيرة الأصلاح الحقيقة. وهذا لا يعني ترك الحبل على الغارب. لا بل بالمراقبة المستمرة والتأشير على كوامن الخطأ , وكشف الفساد وإحالة المُفسدين والفاسدين للقضاء أبتداءً من الرؤوس الكبيرة لا من الأذناب, بالطرق المعقولة الهادئة, لا بالتشهير والفوضى وتعطيل الحياة العامة.
والتأكيد على تعديل قانون الأنتخابات, وتعديل الدستور, والغاء مؤسسات الأجتثاث والمسائلة والعدالة , والركون للقانون لمحاسبة من إرتكب جرماً ,والأبتعاد عن نهج الثأروالأنتقام .ولا بأس أن نتعلم من التجربة اللبنانية وتجربة جنوب أفريقيا ومنهج المصارحة والمسامحة وتجربة كوردستان العراق, وحل المشاكل مع إقليم كردستان بشكل صارم دون مجاملة غير قابل للتأويل . فما لنا إلا التخندق مع شعبنا وترك اللهاث الذليل على أبواب الطامعين من دول الجوار والدول الكبرى.فلا ملاذ لنا غير العراق. فلقد آن أوان جعل مصلحة ومصالح العراق هي العليا .وبات ضرورياً الأنفتاح على الدول كافة. والمعيارهو مصلحة العراق . وإنتهاج سياسة خارجية عقلانية لا يشمُّ منها رائحة التبعية لأي دولة. سواء من مسؤول حكومي أو هذا السياسي أو ذاك ,وترك التشرذم وجعل المصلحة الوطنية فوق كل مصلحة, وعدم الأصطفاف مع من يسعى لمبتغى الهيمنة على السلطة بعد أنْ فشلَ. فالمجرب لا يجرب.وهكذا سيتغير ميزان وحساب البيدر من خاسر لرابح.
مقالات اخرى للكاتب