قادة دون مستوى اللحظة، وعملية سياسية متعثرة، وعراق في مهب التقسيم.
وتجد نفسك وأنت تفكر في الوضع العراقي الحالي وتقلبه على كل الوجوه وعندما تناقش الأمر مع من شئت وتحاول حساب رصيد "العراق الموحد" وعناصر قوته وما الذي يصب في صالح ديمومته تجد أنه رصيد مهزوز كعملة غطائها يتناقص والطلب عليها لا يقارن بالعملات الأخرى أي العناوين الأخرى (الطائفة، القبيلة، القومية).
اليوم نحن في أزمة كبرى، وفي لحظة حاسمة، والخطوة الأولى في مثل هذه المواقف المحتدمة هي: أولا: خطوة واحدة الى الوراء من كل الأطراف.
وثانيا: راع أو وسيط مقبول وقادر وحرك لتطويق الأزمة للبدء في تفكيكها.
وهذا الوسيط بهذه المواصفات غير موجود في الداخل، والطرف الوحيد الذي يملك ذلك من الخارج هو مصمم العملية السياسية الذي بدأ يتنصل من اختراعه الفاشل.
اختراع فاشل تماما كأجهزة كشف المتفجرات التي جرمت بالأمس المحاكم البريطانية التاجر الذي باعها للعراق بتهمة الاحتيال، فيما يصر من اشتراها هنا على استخدامها وكأنها قدر، اصرار على استخدامها كاصرار مريض على اخذ ابرة من ماء مقطر على انها علاج لأنه يشعر بالتحسن معها.
وفشل هذا الاختراع الأميركي أو العملية السياسية الحالية، لا يعني التوقف عن مواصلة العمل السياسي في التعاطي مع كل مفردات الشأن العراقي، وماذا بعد الحق إلا الضلال، وماذا بعد السياسة إلا العنف والموت وبوضوح أكثر (الحرب).
القائمة العراقية تتحدث بالأمس عن الخروج من العملية السياسية، والسؤال ثم ماذا؟ إلى تدويل؟ أم إلى حرب طائفية؟ ترى أيدفع العراق إلى هذه الحرب في اطار (احتواء مزدوج) داخلي عراقي سني شيعي يمهد إلى احتواء مزدوج اسلامي يكون العراق ساحته الأولى وبالتالي يكون الدم العراقي وقوده الأول.
بعض مفكري اليمين المتطرف الأميركي يتحدثون بوضوح عن صراع من هذا النوع وحرب هي (الحرب الحلم) تلك الحرب التي يكون طرفاها ايران وتركيا. وايران وتركيا لن يزجا بكل ما لدى البلدين من أمن واستقرار ونمو وحياة مدنية (طبيعية مع فوارق) في أتون حروب كهذه، وسيفضلون أن يخوضها بالنيابة عنهم (أغبياء) هنا وهناك.
والغباء السياسي في العراق وللأسف متوفر وبكثرة، وحتى لو قرر القادرون على صنع القرار في العراق أن لحظة الحقيقة حلت وأن العراق لابد ماض إلى انفصال، فهم سيفكون ارتباطهم وينفصلون بأسوأ الطرق الممكنة وأكثرها قبحا وعنفا.
وعندما أحلم (وكثيرون مثلي) بعراق موحد مدني غير عنفي.. عراق الدولة المدنية الذي تحترم فيه المذاهب وتتضاءل فيه الطوائف فيما تسمو قيمة المواطنة، أصحو على أن هذا العراق عراق غير ممكن الآن.
اسمحوا لي أن أتحدث بهذه الواقعية مع حق الاحتفاظ بما تبقى من أمل مطارد.
مقالات اخرى للكاتب