يعبر عن الولاء الوطني بأنه عقد بين الحكومة والمواطن تحدد بمقتضاه حقوق وواجبات المواطنين وسبل تحقيقها, وهذا العقد يتمثل بالدستور الذي تتفرع عنه منظومة متكاملة من القوانين والتشريعات توضح وتفسر ماهية هذه الحقوق والواجبات وما يترتب عليهما من التزامات لكلا الطرفين.
فالحقوق التي يتمتع بها المواطن هي بالضرورة واجبات ملزمة تقع على عاتق الحكومة مسؤولية تنفيذها, وعلى هذا الأساس فان قياس أداء الحكومة ومدى كفاءتها يعتمد على ما تقدمه من حقوق لمواطنيها, وكما للمواطن حقوق فعليه واجبات أيضا تمكن الحكومة من القيام بمسؤولياتها التنصل عن أداءها يخضعه لإجراءاتها القهرية, فالولاء الوطني إذا يرتبط بجدلية الحقوق والواجبات ومدى الالتزام المتبادل بين المواطن والحكومة.
حيث يصف الفارابي جدلية العلاقة بين الدولة والمواطن وحالة الترابط والتشابك بينهما بان "لا دولة فاضلة دون مواطن فاضل", أي إن بناء الدولة يبدأ من بناء المواطن بصفته الركيزة الأساسية لبناء المجتمع والدولة, وبناء المواطن هي مسؤولية الحكومة تبدأ بمنحه حقوقه كاملة غير منقوصة وصون كرامته وإشعاره بآدميته ... لهذا فقد حرصت المجتمعات المتقدمة على تعميق الشعور بالولاء والانتماء لدى مواطنيها, لأنه يمثل الأساس الذي تبنى به تلك المجتمعات وتماسكها واستقرارها, بل ومن الدوافع الرئيسية لتقدمها, حيث تتطلب الممارسة العملية لترسيخ سلوك الانتماء والمواطنة تمكين الفرد من المشاركة في نشاطات المجتمع المدني المختلفة دون تمييز أو عقبات مصطنعة، وتكمن في قدرته على نيل حريته وحقوقه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية التي يكفلها له الدستور والقوانين وليس الحاكم فتتحول إلى منة أو هبة ترتبط بمزاجية هذا الحاكم, وعاطفة الانتماء والمواطنة تتطلب إحساس المواطن بالأمان الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في وطنه لتكون حافزا تحرك فيه دوافع الانتماء والمواطنة وما يترتب عليهما من إبداع, لهذا فالشعور بالانتماء والمواطنة لدى الفرد يتناسب طرديا مع ارتفاع مستوى الحقوق التي ينالها في وطنه.
الولاء والانتماء هي ليست مصطلحات تستخدم للأغراض الدعائية وتدبيج الخطابات السياسية, وإنما هما مفهومان فلسفيان متحركان، يمكن إدراكهما في ضوء مرحلة تاريخية محددة، وفي إطار اجتماعي بذاته, وهما نتاج العديد من المعطيات والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية في المجتمع, وإذا كان الانتماء يعمل على بناء وتنمية العلاقات الاجتماعية السليمة، فإن الولاء يعمل على جعل الانتماء واقعاً وحقيقة ثابتة, حيث يمثل الولاء المدخل الحقيقي للانتماء, وبدون الولاء يصبح الانتماء شكلياً أو مظهرياً، وبالتالي يتم تفريغ العلاقات الاجتماعية من مضمونها, والهوية أحد عوامل الانتماء الهامة نظراً لكونها وحدة من المشاعر الداخلية التي تتمثل في الشعور بالاستمرارية والتمايز, وهذا يعني أن الهوية هي وحدة من العناصر المادية والنفسية المتكاملة التي تجعل الشخص يتمايز عن سواه ويشعر بوحدته الذاتية, ولكن هذه الهوية تصبح مجردة من المشاعر الايجابية إن لم تكن مصاحبة لحالة الولاء الحقيقي للوطن فكم من الأفراد يحتفظون بهويات بلدانهم انتماءا وولاءهم لبلدان أخرى عرفت كيف تستميلهم وتصهرهم في مجتمع متماسك في الولاء والانتماء.
مقالات اخرى للكاتب