مبيعات البنك المركزي للدولار تتراوح بين 20 -30 مليون دولار يومياً، من أجل الحفاظ على سعر صرف ثابت للدينار، ربما 120 الف أو أقل من ذلك مقابل الورقة الخضراء من فئة 100 دولار، بحسب خطة البنك.
لكن التساؤل الذي يشغل بال المختصين : اين تذهب هذه الملايين التي تشكل عملة صعبة للبلد؟.
ظاهرياً تذهب هذه الاموال الى المصارف الأهلية، ومكاتب الصيرفة، لكن لا يخفى على المتابع للشأن العراقي، ان هناك دولاً اقليمية متضررة من عقوبات اقتصادية ، تستثمر حالة التدفق الحاصلة للعملة الصعبة في تدعيم عملاتها المتهاكلة.
ان كان النظام الاقتصادي العراقي لا يعي خطورة هذا التبديد للعملة الصعبة، واستنزافها من خلال حلقات مزيفة لصالح دولة او اكثر ، فهذه مصيبة، لأننا قد ربطنا اقتصادنا الذي نريده ان يتعافى باقتصاديات تلك الدول التي تمر بذات الضائقة التي مر بها العراق في تسعينات القرن الماضي، مع فارق جوهري انها استغلت حالة الحصار على بلادنا لاستنهاض اقتصادياتها، فيما نحن نسعى لجر اقتصادنا الى اقتصادياتها، بدلاً من استخدام قاعدة الظرف في الاستفادة من تعزيز مستوى التنمية بما يحقق نهضة اقتصادية تناسب حجم الواردات المتحققة.
بالتأكيد ، نحتاج الى معرفة حقيقية لسعر صرف الدينار مقابل الدولار، لأننا نتعكز اليوم على مزادات البنك في ايقاف الدينار عند حدود معينة، ربما تنفلت في اية لحظة ، اذا ما توقف عن بيعه للدولار، فيما كنا ننتظر ان يتعافى الدينار لمجرد رفع الحصار عن العراق، ويعود بثقله الى السوق النفطية، لكن ، كما يبدو، ان السياسة النقدية ، فاشلة في ايجاد وسائل اخرى لاعادة العافية للدينار ، غير مزادات بيع العملة، التي لم تغير من واقع الاقتصاد اي شيء ، سوى حالة نسبية من استقرار العملة الوطنية، لكن مقابل ماذا ، هنا تكمن الكارثة؟.
لا شك ، هناك مافيات تتلاعب بالمؤسسة السياسية، مثلما تلعب بالسياسة الاقتصادية، هذا اذا اقررنا جدلاً بوجود سياسة اقتصادية، والا فالواقع يؤكد اننا لا نمتلك اية سياسة ، لا في السياسة العامة ، ولا في السياسة الإقتصادية، التي تركناها مسيّرة على وفق الواردات النفطية في تحقيق حالة الموازنة ، تاركين القطاعات الأخرى منهارة، ولا تقوى على منافسة المستورد ، بعد ان اصبحنا في حالة انفتاح غير مسبوق لمنتجات العالم المتقدم والمتأخر ، على حد سواء.
وهذا استنزاف آخر للعملة الصعبة، بعد ان أخذنا نستورد المحاصيل الزراعية، ومنتجات الألبان ، والبيض، واللحوم، من دول قريبة وبعيدة، فيما سمحنا للمنتج الصناعي الأجنبي ان يغزو اسواقنا برداءته ، لينافس ما تبقى من المنتج الوطني.
وعلى هذا، أخذت العملة الصعبة مسارها نحو دول اقليمية ، وغير اقليمية، من خلال عملية الإستيراد غير المقننة، وبالتالي اصبح حالنا كمن يعمل من اجل لقمة العيش، فنحن اليوم لا نمتلك اية برامج نستفيد من خلالها من وراداتنا النفطية لاستنهاض قطاعات اقتصادية اخرى مهمة، لنخرج ببلادنا من حالة الاعتماد على مصدر احادي للاقتصاد، الى حالة التنوع التي نمتلك ادواتها، سواء في الزراعة أو الصناعة أو السياحة ، باشكالها المتعددة.
الاشكالية الاقتصادية ، اننا ارتبطنا بالدولار، واصبحنا غير قادرين على تحديد توجهاتنا من دونه، لأنه لا توجد هناك فكرة لدى اصحاب القرار في بناء عملة وطنية لديها قوة ذاتية، وثقة في التعامل ، واذا كان الامر كذلك، فهذا الارتباط يجعلنا في وضع لا يسمح باستنزاف ما لدينا من عملة صعبة في مزادات لا نعرف الدهاليز التي وراءها ، ولمصلحة من تذهب ، والحليم تكفيه الاشارة.
مقالات اخرى للكاتب