في ثمانينيات القرن المنصرم وفدت الى العراق الآلاف من العمالة المصرية لظروفهم المعاشية الصعبة ولحاجتنا الكبيرة لهذه العمالة بسبب الحرب مع الجارة إيران التي زجنا بها الطاغية هدام.
وكان صديقي من ضمن الوافدين، جمعنا حب القراءة والمعرفة خاصة في الكتب الإسلامية وكتب التاريخ وأعترف لي أنه من جماعة الأخوان المسلمين وأنه هارب من مصر لما كان يعانيه أفراد الجماعة على يد حسني مبارك وتعهدت له بالكتمان، لأن العديد من الوافدين كانوا من الأمن والمخابرات المصرية وانضموا عند وصولهم إلى حزب البعث وقيادته القومية حتى يستطيعوا تنفيذ مهامهم بدون أن يتجرأ احد على ازعاجهم.
تبادلنا الكتب والمراجع التي كانت وقتها ممنوعة وقد تؤدي الى الإعدام، تناظرنا اتفقنا اختلفنا ولكن لم تغادر احد منا الابتسامة في كل لقاء، وكنا نتوقف عندما يحتد النقاش ويفشل أحدنا في أقناع الآخر برأيه.
لم يفكر أحدنا في تكفير الآخر يوماً، فكنا نعلم علم اليقين أنه لا يحق لأحد تكفير من نطق الشهادتين، كان يُجل موقف المرجع الشيعي الكبير السيد محسن الحكيم (قدس الله سره) الذي وقف ضد إعدام السيد قطب، وكنت أحترم موقف مصر عندما هدد الملك فاروق الوهابية في حال مسوا قبر النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد كانوا يريدون هدمه كما فعلوا في البقيع وكان لدينا حلم مشترك وهو رحيل الطواغيت من بلادنا وإقامة دولة اسلامية عادله فيها.
رحل هدام ومن بعده حسني ولم نرَ لحد الآن الدولة العادلة رأينا التخلف والجهل والفساد رأينا صغار القوم علو المنابر ينادون في القوم تعصبا وقتالا رأينا اكباد الناس تؤكل والناس تقتل ظلما وعدوانا.
الحمد لله لم يستطيعوا في بلدي تسلم مقاليد الحكم ولن يستطيعوا كما حصل في بلدك، ولكنهم ساهموا في قتل الآلاف في بلدينا وسوريا باسم الدين الاسلامي.
أكاد أسمع صرخة السيدة نفيسة (عليها السلام): ما هؤلاء القوم علمت، وليس لأجلهم بقيت، وتوفيت بعيدا عن أرضي، ولن أبقى في بلاد يقتل فيها المسلمين ويمثل بجثثهم شبهة، دون علم أو يقين.
لا أعلم أن كانت شعوبنا لا تستحق الحرية، أو أنها علامات الساعة، أو أنه ابتلاء من رب العالمين لشعوب طالما برعت في صناعة الطغاة.
كنت قد دعوتني لزيارتك في مصر، ولست أدري أن كانت دعوتك ما زالت قائمة، ولا أعلم أن كان مصيري سيكون مثل الشيخ حسن شحاتة، وأن كنت ستشارك أو نكون معا من المسحوليين.
مقالات اخرى للكاتب