عاني العراق طيلة الفترة السابقة تهميشاً حقيقياً للعلم والعلماء وقصوراً كبيراً في نسبة الاكاديميين والخريجين نسبة الى عدد السكان الكلي بسبب الحروب والفقر والمرض والملاحقات البوليسية لكل صاحب فكرة وعلم وثقافة وتطلع نحو الافضل مما حدا بأغلب الكفاءات الى مغادرة البلد ان نجحت في التخلص من خدمة النظام السابق او هربت من القتل والسجن في حين بقي عامة الشعب في علاقة خجولة مع الدراسة الرسمية بسبب عدم توقع الكثير من الشهادة والوظيفة غير راتب لا يكفي لإشباع صاحبه فضلاً عمن لديه عائلة يعيلها فتهاوت النظرة الى العلم والمعلمين واصحاب الشهادات ايما تهاوي وصل الى الحد الذي اصبح فيه بائع الخضار يمن على المهندس الموظف ويعطف عليه ببعض الخضار ويرأف لحاله او يستهزأ به وبشهادته وهذا وضع عام مر به كل من عاصروا تلك السنين العجاف، وتمضي السنين ويحصل التغيير الحتمي الذي لا بد منه لكل حال فدوام الحال مستحيل.
وتنقلب الموازين ويستلم الموظفون رواتب بالدولار! وتبرق النقود في اعين الناس مما جعلهم يتهافتون على الوظيفة والشهادة تهافت الذئاب الجائعة على الفريسة الميتة فترى الشعب كله وفي يوم وليلة يريد ان يكمل الدراسة ويتوظف ويزيد راتبه بشتى الطرق من احتساب خدمة عسكرية الى خدمة جهادية الى مخصصات ذوي الشهيد وذوي السجين وغيرها الكثير من المخصصات التي بدأت تتراكم عند البعض ولا تطال البعض الاخر!، طبعاً فلكل زمان دولة ورجال!.
وليت الامر الذي حصل غير نظرة الناس الى العلم والمعلم والمتعلم والخريج، ولكن للأسف بقيت النظرة الدونية للعلم والعلماء موجودة وكل ما تغير هو الحرص على نيل الشهادة (الورقة) وليس ما تحتويه الشهادة من علم وفهم وبذور المعرفة والتطور والتطوير!
طبعاً من حق كل شخص ان يطور نفسه وعلميته ومعيشته ولكن ليس على حساب الغير! واذا كانت الدولة تسن يومياً قانوناً لترقية جماعة على حساب اخرى والكل يعلم الظلم الذي تشتمل عليه هذه القوانين.... اقول اذا كان قانون الدولة ظالماً فمن يسيء استخدامه اظلم لنفسه ولغيره! فإذا سمحت الدولة بإكمال الدراسة (بفلوس) داخل وخارج العراق في الجامعات الاهلية والتجارية فلعجزها عن سد (نهم الناس للشهادات دون العلم!) وتلبية لحاجات متزايدة لدى من يملك المال ولا يملك العلم للشهادة! واذا فتحت الدولة ابواباً مشرعة امام (س) و (ص) و (ع) من الابواب التي نعرفها كلنا وجعلت العامل الشخصي والعقلي والفكري اخر شيء في حسبانها فكيف اقنع هؤلاء انفسهم انهم اهل للشهادات العليا او حتى الاولية وانهم بعد حياة علمية ضحله وغير مشرفة يمكن ان يكونوا اساتذة جامعيين او موظفين بشهادات مرموقة كمهندسين واطباء ومحامين!!!
والمشكلة ان الجميع اضحى مرشحاً لنيل اعلى الشهادات ولا فرق بين فاهم وغيره ودارس وغيره المهم انه يمتلك نقوداً او باباً خلفياً للتسلل الى حيث لا ينتمي (مؤسسة س او ص او ع لا فرق) فالكل تضمن الصعود الى نهائيات امم الشهادات!!!؟؟؟
طبعاً سيأتي الرد بأن هؤلاء لم تسنح لهم الفرصة في وقتهم للتفوق او ان ظروفهم لم تسمح لهم بإكمال الدراسة او انهم يريدون خدمة الوطن بشهاداتهم الرصينة التي سيحصلون عليها بفلوس! او بطرق ملتوية! او او من هذا الاوات التي لا تنتهي والجواب هو ما نسبة من يصدق عليه هذا القول حقيقة!!؟؟ ربما 5% من مجموع من تشملهم هذه القوانين التي لا وصف لها الا انها ليست قوانين (قوانين اللاقانون!).
ولمن يريد ان يخدم وطنه اقول : ان من يريد خدمة الوطن يستطيع ذلك بان يخلص في عمله ولو كان موظف خدمات او عامل نظافة او شرطي مرور المهم الاخلاص في العمل وليس الشهادة العالية والتكييف والراحة!
الحمد لله ان امثال اهلنا لم تنقرض بعد كما انقرضت القناعة والبساطة والرضا بما قسم الله وخير ما قيل في هذا المجال (اذا انا امير وانت امير فمن يسوق الحمير؟!)
يعني اذا انا ماجستير (او دكتوراه!) وانت ماجستير (او دكتوراه!) فمن يزرع!؟
واذا انا ماجستير (او دكتوراه!) وانت ماجستير (او دكتوراه!) فمن يصنع!
واذا انا ماجستير (او دكتوراه!) وانت ماجستير (او دكتوراه!) فمن يعمل بالخدمات والاداريات والفنيات وينهض بالبلد!
واذا فرضنا ان نسبة كبيرة من هؤلاء حصلوا على تلك الشهادات المرموقة في حين ان النسبة الاخرى من الشعب لا زالت ومنذ القدم وحتى الان تئن من الجوع والجهل والمرض فمن سيملأ الفراغ بين الطائفتين -طائفة الشهادات العالية و- طائفة المعدمين علمياً وعملياً-؟ افلا يحتاج الوطن الى فني وعامل نظافة وفلاح وميكانيكي وكهربائي ومصلح اجهزة ومعلم ومدرس وغيرها من التخصصات التي بدأت تندر وتصبح غالية الثمن؟ فهل نستورد كل هؤلاء من دول جنوب شرق اسيا؟ ولأي سبب؟ هل لأننا كلنا فطاحل وعلماء واغنياء ولا يليق بنا الا الذهب والحرير!!؟؟
على كل حال اود ان اختتم مقالتي هذه والتي جاءت عكس التيار ومغردة خارج السرب ولا ترضي الكثيرين ممن يحصلون يومياً على ما لا يستحقون ويأخذون مكان غيرهم في العلم والعمل، اود ان اذكر الجميع بقوله تعالى (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون) الزخرف-32.
ملاحظة اخيرة: هناك اناس يدرسون الطب والهندسة و(ما احب القلب واشتهى) في اوكرانيا وماليزيا والهند وروسيا وبمعدلاتهم التي لا تتجاوز ال(60%) والتي لا تساوي في العراق شيئاً يذكر ونجاحهم بسيارة يشترونها لعميد كليتهم الرصينة في تلك الدول وان شاء الله سيعود هؤلاء مكللين بالنصر والشهادة الفارغة ليتحكموا بأرواح الناس بطبهم الفاشل وهندستهم الفارغة فهنيئاً لنا بلد شهادات بصحيح!
مقالات اخرى للكاتب