ليس في السياسة خيار واحد. وأبرع السياسيين هو الذي يتأمل كل الخيارات الممكنة ويجرّب أكثر من واحد. والرئيس المصري المعزول محمد مرسي وحزبه الحاكم، الإخوان المسلمين، كان أمامهما خياران في الأقل لحل الأزمة التي واجهاها قبل اكتمال العام الأول لولاية مرسي، وتفادي كل ما حدث بين 30 يونيو (حزيران) الماضي و3 يوليو (تموز) الجاري.
الخيار الأول الذي كان متاحاً لمرسي والإخوان أن يستجيبا في وقت مبكر لمطالب الشركاء السياسيين، وبخاصة الشباب الذين فجروا ثورة 25 يناير(كانون الثاني) 2011 . ولم يكن سقف تلك المطالب يتجاوز وضع الخطط لتحقيق أهداف الثورة التي لم يلتحق بها الإخوان إلا في أيامها الأخيرة، لكنهم جنوا أكبر ثمارها وهو الوصول الى السلطة لأول مرة في تاريخهم الممتد لأكثر من ثمانين سنة. وكان الهدف الرئيس لثورة يناير إقامة نظام ديمقراطي وتحقيق العدالة الاجتماعية، بيد ان كل الإجراءات التي اتخذها مرسي والاخوان في الجهاز الحكومي والجهاز القضائي وفي ما يخص الدستور المؤقت (الإعلان الدستوري)، كان واضحاً أنها ستفضي الى إنشاء دكتاتورية الحزب الواحد السافرة. وقد اعترف مرسي عشية عزله بارتكاب أخطاء على هذا الصعيد، وكذا فعل بعض من قادة الإخوان.
أما الخيار الثاني، وهو ما كان سيجنب مرسي العزل ويضمن للإخوان المسلمين البقاء عنصراً قوياً ضمن معادلة الحكم في مصر، فكان يتمثل في الدعوة الى انتخابات رئاسية مبكرة .
بدل العمل بهذين الخيارين، سلك الرئيس المعزول وحزبه طريقاً مختلفاً، فقد تمسكا بعدم الاستجابة لمطالب الشركاء السياسيّين المقصيّين الذين تحولوا الى معارضين في مرحلة لاحقة تطالب بانتخابات مبكرة لحل الأزمة الناشبة بينهم وبين الإخوان. وافضى موقف مرسي والإخوان الى تدخل الجيش بعزل الرئيس المعاند وتسليم السلطة مؤقتاً الى رئيس المحكمة الدستورية وحكومة مدنية مهمتها التحضير لانتخابات رئاسية مبكرة، وهو إجراء كان لابد منه تجنباً لنشوب حرب أهلية مدمرة.
والان يتجه الإخوان المسلمين الى الخيار الخطأ أيضاً بدفع معارضتهم للوضع الحالي لأن تتخذ الطابع المسلح. انهم يمارسون حرب عصابات في سيناء ضد القوات الحكومية، ويمضون باتجاه حدوث صدامات دموية في المدن بحجة الدفاع عن الشرعية. وهذا ما يضعهم في مواجهة مع الدولة المصرية يستحيل كسبها مهما عوّل الإخوان على دعم خارجي. وتاريخ مصر والإخوان وجماعات الإسلام السياسي الأخرى فيه شواهد كثيرة على الخسارة أمام الدولة. فلجوء الإخوان الى العنف في العهد الملكي وفي العهد الجمهوري الأول (الحقبة الناصرية) تحوّل الى وبال عليهم، وجماعات الإسلام السياسي الأخرى (الجهادية) لم ينفعها عنفها العشوائي المنفلت في تحقيق ما أرادت، بل أفضى بقياداتها وعناصرها الى الموت أو الى السجن الذي أتاح لها الفرصة للمراجعة ونبذ العنف بعد إدراكها استحالة هزيمة الدولة المدججة بالسلاح.
الرئيس المؤقت عدلي منصور طرح خلال اليومين الماضيين بتأييد من الأزهر مشروعاً للمصالحة الوطنية يشمل الجميع، وهو ما يمكن اعتباره النداء الأخير للإخوان المسلمين قبل أن يجدوا انفسهم ينتظرون في محطة لم تعد تمر بها القطارات.
مقالات اخرى للكاتب