لقد تجاوز الاعلام في العالم حدود السلطة الرابعة التقليدية ليفوق تأثيره السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، ليصبح السلطة الاولى بدون منازع ويتجاوز كل الحدود الجغرافية بسبب التطور التقني ، واصبح ايضاً احد اسلحة الحروب الحديثة واخطرها لتأثيراته المباشرة في معنويات الشعوب والمقاتلين عند مجابهة اي هجوم خارجي ، وفي فشل حكومات ونجاح اخرى ، وكذلك في اثارة المشاكل والنعرات القومية والطائفية والتحريض لدى البلدان النامية .
ويسهم الاعلام في توحيد صفوف الجماهير ونبذ الفتنة وتوعيتها وشحذ هممها من خلال المادة الاعلامية التي يقدمها والشواهد على ذلك لا تعد وتحصى سواء على مستوى العالم او على مستوى المنطقة وخلال كل الازمات والحروب كان للاعلام دور هام واساسي كما في دور اذاعة فرنسا الحره ايام احتلال النازيين باريس في الحرب العالمية الثانية او دور الاعلام المصري ايام جمال عبد الناصر وتأثيره على عموم المنطقة العربية او اعلام صدام حسين في الحرب العراقية – الايرانية او دور القنوات العربية كالجزيرة وابو ظبي في حرب العراق عام 2003 وفي تاجيج الازمة السورية الحالية وكذلك معركة الاعلام المصري ضد الاخوان المسلمين التي اسهمت في سقوط حكمهم في مصر.
حقيقة ما اثارني لكتابة هذا الموضوع احدى المقابلات الخاصة في القناة العراقية الرسمية وبدون ذكر للأسماء – وانا المتابع البسيط – حيث كان مقدم البرنامج يفتقر لابسط قواعد اللغة العربية او اساليب التعبير في الوجه او اليدين او من خلال الطرح للأفكار والاسئلة حيث تشعر وانك امام شخص بسيط ذو ثقافة متواضعة معلوم الطائفة يجلس في احد المقاهي وليس في برنامج تلفزيوني يراه القاصي والداني لقناة تعبر عن وجهة نظر الحكومة . أما المادة التي تم تناولها في اللقاء فلا تنطلي على مواطن بسيط فكيف لها ان تؤثر في مستمعين من مختلف الثقافات او ان تتابعها مراكز القرار الاقليمية او الدولية او ان تتناقلها قنوات عربية او اجنبية.
ولا احب ان اطيل في المادة المسمومة التي بثها البرنامج او القناة ككل ويخيل لي ان هذه القناة موجهة فقط الى مكون واحد – واقولها بصراحة – لاستفزاز المكون العراقي السني وبث الفرقة الطائفية بين ابناء الوطن الواحد ليس الا.
فالمفترض من قناة تستنزف ملايين الدولارات من ميزانية الدولة ان تمثل جميع العراقيين وتوحد صفهم وتدافع عن مصالحهم وتنقل معاناتهم الى اصحاب القرار لغرض معالجتها ، لا ان تصور العراق وكانه سلطنة عمان او بروناي لا توجد فيه مشاكل امنية وسياسية واقتصادية واجتماعية هائلة ولا يعاني شعبه من القتل او التشريد او تعاني مؤسساته من الفساد او بنيته التحتية من الخراب .
وبدلاً من ان تصور برامجها الركيكة في حديقة الزوراء كونها المكان النظيف الوحيد في العاصمة ان تزور مناطق بغداد والعراق التي تغطيها المياه الآسنة وتفتقد الى ابسط الخدمات الانسانية . وبدلاً من ان تلتقي بالقادة العسكريين الذين يرتدون متاريسهم وخوذهم باللقاءات ليتبجحوا بانتصاراتهم الامنية الوهمية او عند القاء القبض على احد افراد تنظيم القاعدة .. ان تلتقي بذوي الضحايا والايتام والارامل الذين لايجدون مايسد رمقهم او حتى سقف يأويهم .. او ان تكشف للرأي العام العراقي الاسباب الحقيقية في هرب الآف المطلوبين من تنظيم القاعدة من سجني التاجي وابو غريب .
لذا فالدعوة لاعادة النظر في هيكلية شبكة الاعلام العراقي وبناءها بشكل مهني وعلمي صحيح لتكون مؤسسة رصينة محترمة غير منحازة سياسياً او اجتماعياً تكون ميداناً حراً للمثقفين وأصحاب الرأي العراقيين بدون النظر الى انتمائاتهم السياسية والطائفية ، بدلاً من اضطرارنا لمتابعة اخبار وطننا الحبيب عبر قنوات غير عراقية بعد ان ضقنا ذرعاً بقناتنا الرسمية .
مقالات اخرى للكاتب