عاد نائب الرئيس الامريكي السيد جو بايدن الى مقترحه العتيد المتضمن اقامة ثلاثة كيانات شبه مستقلة في العراق كحل للمشكلة العراقية وعرض علينا متفضلا امكانيات تقديم الدعم الفني وبناء القدرات لهذه الكيانات لتعليمها كيفية تجنب النطاح والرعي بسلامة جنبا الى جنب في سهول وجبال وبوادي العراق ورغم أنني كتبت في هذا الموضوع في صوت العراق سابقا الا أنني أرى نفسي مضطرا الى الكتابة مرة ثانية لخطورته على سلامة العراقيين في المستقبل.
تعيش في العراق كما هو معروف قوميتان رئيسيتان العرب والكورد وقومية ثالثة متمثلة بالتركمان وأقليات قومية أو دينية كالمسيحيين والايزيديين والشبك والصابئة .
هذه الاقوام والديانات حشرت معا في بودقة واحدة اسمها العراق قرابة قرن من الزمان بفضل معاهدة سايكس بيكو .
من الناحية الجغرافية يمكن تمييز مناطق تواجد واضحة ومميزة للعرب في سهول وصحاري العراق وكذلك بالنسبة للكورد في جبال كوردستان العراق ومابين مضارب هاتين القوميتين الرئيسيتين يعيش خليط من العرب والكورد مع التوركمان وباقي مكونات البودقة العراقية فيما يسمى الآن بالمناطق المختلف عليها (مناطق المادة 140 ).
فيما يتعلق بالكورد فان اقليم كوردستان مثبت في الدستور والامر محسوم وتبقى المناطق المتنازع عليها بانتظار الحسم النهائي أما فيما يتعلق بالمنطقة العربية من العراق فإن تقسيمها الى شيعية وسنية سيخلق مناطق متنازع عليها أكثر تعقيدا من المناطق المتنازع عليها بين العرب والكورد بدليل أن المتحدثين باسم العرب السنة يتكلمون عن ستة محافظات منتفضة أي أنهم يشملون بغداد وديالى وكركوك في انتفاضتهم ولا توجد أغلبية منتفضة في هذه المحافظات كما يعرف الجميع .
وبالعودة الى مقترح السيد بايدن فإنه قد يكون مناسبا لوكانت المناطق واضحة ومتفق عليها برحابة صدر بين الكورد من جانب والعرب من الجانب الآخر وبين العرب السنة والعرب الشيعة .
إن تشكيل أقليمين على أساس طائفي في الجزء العربي من العراق حتى وان اختيرت لهما أسماء مناطقية غير طائفية سيعطي للطائفيين الفرصة في الامساك بمقاليد الأمورفيهما وسيحول ضغط السعودية وايران كل من هذين الاقليمين الى دويلة ظلامية مستعبدة (بكسر الباء ) لمواطنيها ومستعبدة(بفتح الباء) من جيرانها و وسيجعلهما في مواجهة وصراع أبدي على المناطق ومصادر الثروة والمياه .
يبدوا أن مستشاري السيد بايدن قد فاتتهم الأمور التالية فيما يتعلق بإقامة إقليم سني وإقليم شيعي :
1- ان العرب العاربة والعرب المستعربة (أولاد قحطان وأولاد عدنان) عرب قبل أن يكونوا مسلمين ومسلمون قبل أن يكونوا سنة وشيعة والأمورعندهم بأصولها ولايغرن أحدا تغريدات ثوار وأئمة فنادق الخمسة نجوم . وقد جسدت أحداث الشهريين الماضيين هذه الحقيقة فعندما جاءت الدواعش الى بيت شيخ قبيلة العبيد في الحويجة أنور العاصي وأخيه وصفي العاصي طلبت منهم البيعة ومقاتلة الشيعة الروافض فأخبرهم الشيوخ أن نصف العبيد شيعة . وفي المهلة الممنوحة لهم هرب شيوخ العبيد اكراما لأبناء عمومتهم وتركوا البيوت والأثاث والسيارت والأموال وحتى مراقد آبائهم لتعيث داعش فيها نهبا وتخريبا وفسادا .
2- يبدو أن مستشاري بايدن لم يطلعوا على المادة 115 من الدستور العراقي التي نصت على مايأتي :
((كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطة الاتحادية ,يكون من صلاحية الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم , والصلاحيات الاخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والأقاليم , تكون الأولوية فيها لقانون الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم ,في حال الخلاف بينهما )). فقد ساوت هذه المادة في الصلاحيات بين الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة باقليم وأقرت ضمنا حق التشريع للمحافظات غير المنتظمة باقليم .
وقد عزز قانون التعديل الثاني لقانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم رقم (21) لسنة 2008 صلاحيات المحافظات اذ منح في المادة 2- أولا منه الحق في التشريع لمجلس المحافظة ونص على ((أن مجلس المحافظة : هو السلطة التشريعية والرقابية في المحافظة وله حق اصدار التشريعات المحلية بما يمكنه من ادارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الادارية بما لايتعارض مع الدستور والقوانين الاتحادية التي تندرج ضمن الصلاحيات الحصرية للسلطات الأتحادية )) .
وفيما يتعلق بالصلاحيات الامنية للمحافظات نص قانون تعديل قانون المحافظات في المادة 14 على ما يأتي :
(( 1- للمحافظ سلطة مباشرة على كل الاجهزة المكلفة بواجبات الحماية وحفظ الأمن والنظام العاملة في المحافظة .2- اذا رأى المحافظ أن الأجهزة المكلفة بحفظ الأمن والنظام غير قادرة على انجاز واجباتها عليه ان يعرض الأمر فورا على القائد العام للقوات المسلحة مبينا مقدار القوة الكافية لانجاز تلك الواجبات . 3- تنسق السلطة الاتحادية مع المحافظ مسبقا عندما تنفذ مهام أمنية ضمن المحافظة ))
تجدر الاشارة الى أنه رغم ان الحكومة الاتحادية لم تنفذ القانون فإن هذه المادة نفذت ميدانيا في محافظة الأنبار .
3- وحيث أن قانون المحافظات أصبح يماثل في صلاحياته تقريبا صلاحيات الولايات الأمريكية ندعو السيد بايدن أن يكمل جميله في تدريب كوادر المحافظات والحكومة الاتحادية على كيفية العمل والتعايش في ظل النظام الاتحادي وأن يدرب كوادر اقليم كوردستان والحكومة الاتحادية على الشيء نفسه ويساعد قادة الاقليم وقادة بغداد على حل المسائل العالقة وفق الأصول الأتحادية المعمول بها في أمريكا والعالم ويكفينا أن يتشكل عراقنا الإتحادي من أقليم ومحافظات ذات استقلال ذاتي .
مقالات اخرى للكاتب