أقام مؤخرا في برلين الفنانان العراقيان الدكتور خليف محمود ومنصور البكري معرضهما التشكيلي المشترك الأول تحت عنوان "المشاعرـ في لوحة مائية" . وقد أثار هذا العنوان جدلا فنيا تمحور حول مفردات أعمالهما المتميزة شكلا ومضمونا، والتي تحمل فضاءات "سيكولوجية" للظواهر الاجتماعية المُعاشة، ولغة بصرية "سيميائية" تقبل التأويل.
وفي كلمة الافتتاح أوجز الفنان والشاعر الألماني المعروف، أستاذ قسم فن الرسم في كلية الهندسة المعمارية في الجامعة التكنولوجيا ببرلين البروفيسور ماتياس كوبل Matthias Koeppel قائلا: كيف يمكن تقويم "المشاعر" لأسفار خارجي عن احساس داخلي غير مرئي او ملموس في عمل فني؟. وكيف يمكن تحسس أو تمعن مشاعر دفينة مجردة مهما تموضعت الألوان والرمزية والأشكال البنيوية والألغاز، في عمل تشكيلي لا يستطيع بصرياً إظهار تلك المشاعر للعيان أو توظيف اوصافها؟. لكنها تبدو، ونحن نتحدث هنا عن "المشاعر ـ في عمل تشكيلي" وكأنها أثر لظواهر "ﺳـﻮﺳيولوجية". ولعل ما كان يعنيه الاستاذ "كوبل" هو أن العنوان الذي يحمله متن الاشهار عن المعرض، خاصة بكلمة "المشاعر"، لا يترتب حرفياً، على القيّم الفنية التي تشكل عادة أعمدة العمل التشكيلي، كالتعبيرية والطاقة والحركة والظل واللون والأسلوب ولغة الفن الجمالية. فمن منظوره النظري الجمالي يرى بأن المفاهيم الأوروبية ومنها ما يتعلق بالأزمنة ما قبل المعاصرة، المصنفة في علم فنون الرسم وجماليتها، لم تعرف على الأقل روحيا وبصرياً، تجسيد مظاهر "المشاعر" أو شكلها السيميائي من ناحية التراتبية والملاءمة في عمل فني تشكيلي. وكل "إِحداث مثالات خياليّة لا وجود لها في الحسِّ" لا تؤدي لرؤية "المشاعر" في الصورة على الاطلاق!
وجاءت أعمال الفنانين تحت شعار "موصل ـ بغداد ـ برلين"، أعمالا فنية واقعية جديرة بالتأمل وتمتاز بالألوان المائية "أكرليك" وبأحجام مختلفة وأنواع ورق رسم راق متقاربة من بعضها ومنسجمة في أسلوبها الفني، كما لو كانت تشكل كلها جدارية لوطن أنهكته الكوارث. كما ان نثر الألوان فوق سطح بعض الرسومات بطريقة مميزة، ينسجم مع ما يعرف بالفن الشعبي الذي يتسم برؤية تعبيرية تعد من ابرز فنون الرسم " الواقعي المعاصر" أو ما يسمى بفن الرسم "التسجيلي". فهي تتحدث عن قهر الانسان وتحاكي وطنا فقد عوالمه الجميلة، وأحداث تشد قبضتها على ارث مجتمعه الحضري الذي يمتد الى أقاصي بلاد ما بين النهرين ـ ها هي الموصل تدنس وتغرق في ظلمة عاتية، وبغداد تتألم من شدة جراحها ـ وبرلين ترسم عشقها "مزار أمل" فوق خطوط العرض الجغرافية.
وكما اراد فاوست ان يستمد في رائعته "غوته" مثلما رسمها المتصوف باراسيلزوس في حكاياته العجيبة من روح العصر، الرغبة في الوصول للمعرفة وامتلاك القدرة ليصل الى الحقيقة، فان خليف ومنصور استطاعا الى ما وراء الحدود، أن يخلدا في أعمالهما التشكيلية الحدث "حسيا ـ بصريا" ليكون جزءاً من أدوات المعرفة لاكتشاف الوقائع.
تجدر الإشارة الى أن خليف ومنصور في سبعينات القرن الماضي كانا يدرسان الفن التشكيلي سوية في أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد، وبسبب الحرب افترقا. ففيما بقيّ الفنان خليف في بغداد ليكمل التعليم في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد حيث حصل في عام 1979على شهادة البكالوريوس وبعدها على الماجستير، ثم انهى الدكتوراه بجامعة دمشق عام 2010. غادر الفنان منصور العراق في عام 1982 متوجها الى القارة الأوروبية، إذ استقر به الأمر في برلين ليكمل الدراسة في أكاديمية برلين للفنون "Hochschule der Künste" بدرجة الماجستير، وهو ما زال يعيش ويواصل عمله الفني فيها.
يصف نوفاليس"Novalis" فلسفة رومانسية الفنون وعلاقة الانسان بها ـ بعلاقة مثالية ساحرة ـ ويعني بذلك رفع كل الحواجز التي تحد من الإبداع وجعل امكانيات المنافسة بينه وبين تنمية اداء الفكرة لدى الفنان في موضعها. الثابت أن خليف ومنصور قد اهتديا بهذه الفكرة لكسر قاعدة "فن الأجيال" التي لا تميّز بين الجودة والوضاعة على حساب الاتقان المرئي والذائقة القيمية والحسية. ويمكن القول بأن منهج "الواقعية المعاصرة" في أعمال الفنانين تحد لنشر "الحداثيون" فكرة "الجمالية النسبية" التي تعني ـ الجمال يوجد في عين الناظرـ دون مراعاة مستوى الجودة والحرفية، المساحة والظل والضوء والأحجام والزوايا، وأيضا عدم مراعاة كيفية التعامل مع المسافة والمحيط والكتل او المادة وجمال الحركة. إن اهم ما يجسد فنياً وجماليا أي ابداع فني فائق الارتقاء بشكل مباشر، غير لغة الكلام سبيل التفاهم والتقارب والحوار، لغة اخرى خارجة عن التعريف والوصف. هي لغة الحركة التي تحيط الرسوم فضاءات بمنتهى الروعة والإيحاء، وتجعل خصائص الشكلForm“" لحظة تكامل بناء الصورة لا ينفصل في مضمونه عن ذهنية العقل وشمولية التعبير. وهذا ما يبدو واضحا حينما تُقرأ لغة الحركة في أعمال الفنانين خليف محمود و منصور البكري.
لقد ارتبطت قيمة اعمال الفنانين خليف ومنصور النموذجية، بقوة امتلاكهما الحرفة والتجربة، بالإضافة إلى الفنتازيا والمواصفات والتفاصيل التعبيرية في " لغة بصرية" اضفى عليها وصف الحدث الكثير من المعاني الخيالية، بحيث تأصلت اشكال وأبجديات في عمق انقاض ذاكرة، تكشف جذورها عن اسطورة العزيمة والتأمل والتكيّف، التعايش مع الحياة والموت، مع الاحزان والأفراح، مع الحب والخوف.. يقول المؤرخ الفني "يايكوب روزنبيرغ " ان الجودة في الفن ليست مجرد رأي شخصي، إنما وبدرجة عالية هي "شيء" يمكن تقصيه بموضوعية. ان ما شاهدناه من اعمال تشكيلية في معرض الفنانين خليف و منصور تعبر عن صياغة الفكرة كما تصوراها وهي تُجاري الحلم والواقع لتجسد " صورة" مرئية تنتج عن لغة الحدث في كل لحظاته.
المؤتمر السنوي الثالث لمنتدى بغداد للثقافة والفنون ـ برلين
البيان الختامي
تحت شعار احترام الثقافة والفنون والفكر والإبداع، احترام للمثقف. وإن على المثقف تقع مسؤولية الدفاع عن القيّم والمبادئ الإنسانية والحضارية والمجتمعية، وأن لا يسمح بالاعتداء عليها أو الإساءة لها، وأن لا يتجاهل مصالح الشعب والوطن أو عدم الدفاع عنها سيما في ظرف تنتشر في بلادنا منذ عقد ونيف الفوضى السياسية والفكرية والقتل والتدمير والارهاب. وبات المجتمع العراقي يعاني من نظام المحاصصة الطائفية والولاءات الحزبية الذي جعل مصالح الطبقة الحاكمة فوق مصالح الشعب ومجتمعاته، كما أفقد الدولة ومؤسساتها هيبتها وقدرتها على معالجة الاوضاع وتحقيق الامن والرفاهية والعدالة والاعمار في عموم المحافظات، إنعقد في الخامس من تموز 2016 المؤتمر السنوي الثالث لمنتدى بغداد للثقافة والفنون ـ برلين.
والمنتدى اذ كان وما زال يؤكد بأنه فردوساً لكل عراقية وعراقي وعربي. وواحة خصبة للأدب والفنون، للشعر والرواية والرسم والمسرح والموسيقى والسينما والإعلام. ودارا للتنوير والحوار والتعايش بين مختلف المجتمعات والحضارات على الساحة الألمانية. فأنه قد حقق الكثير مما كان يطمح إليه، ولم يألُ جهدا في كسب الاصدقاء وتعزيز العلاقة مع العديد من المنظمات خاصة الألمانية منها. وقام خلال فترة قياسية "الـ 24 شهر الأخيرة" بتنظيم العديد من الفعاليات والندوات والأماسي الثقافية المتميزة، الفنية والأدبية والفكرية، التي شارك فيها العديد من المثقفين العراقيين والعرب من داخل ألمانيا وخارجها حضرها جمهور عربي وأجنبي متنوع، تجاوزت الـ 28 موضوعا، فيما بلغ عدد اللقاءات والانشطة الاجتماعية الـ 96 أمسية.. وللارتقاء بمسؤولياته على المستوى التنظيمي والاداري، وضع المنتدى منذ تأسيسه نصب عينيه جملة من القيّم والاعتبارات لاكمال مسيرته وتحقيق مقاصده.
انطلق المؤتمر الثالث لمنتدى بغداد الذي ينعقد عادة كل سنتين بالوقوف دقيقة حداد على ارواح الضحايا اللذين سقطوا جراء الاعمال الارهابية التي تحصل يوميا في العراق. واستنادا لما تنص عليه اللوائح الداخلية للمنتدى قام المؤتمرون بانتخاب هيئة ادارة الجلسة بعد التأكد من إكتمال النصاب وتدقيق الاشتراكات. ودعا رئيس ادارة المؤتمر الهيئة الإدارية لتلاوة التقريرين الاداري والمالي، فقدم رئيس المنتدى التقرير العام مستعرضا كافة الجوانب الإيجابية والسلبية التي رافقت العمل الإداري والأنشطة والفعاليات للفتره ما بين 2014 ـ 2016. ثم استعرض المسؤول المالي في تقريره جدول "الصادرات والواردات" للفترة من 28 / 04 / 2013 حتى غاية 2016.7.5، وبعد مراجعته واجراء التعديلات اللازمة عليه تم التصويت على التقريرين فاقرا بالاجماع.
ومع انتهاء الفقرات المتعلقة بالجوانب التنظيمية للمؤتمر وتقديم الهيئة الإدارية إستقالتها وقبولها، تم إخلاء سبيلها وتبرئة ذمتها وتقديم الشكر لما قامت به خلال الفترة السابقة من انشطة وفعاليات متعددة بصورة متميزة. أعلنت رئاسة إدارة المؤتمر فتح باب الترشيح وتم انتخاب 3 زملاء للهيئة الإدارية الجديدة. قاموا بعد انتهاء أعمال المؤتمر بعقد اجتماع لتوزيع المسؤوليات فيما بينهم.
وفي ختام أعماله أعلن المؤتمرون عن ارتياحهم بنجاح المؤتمر وخروجه بقرارات مسؤولة وهامة في اتجاه تحسين ورسم عمل المنتدى. وأكدوا على أن نجاحه خير دليل على جدية جميع الزملاء والاصدقاء وحرصهم على رفع شأن المنتدى والارتقاء بمستوى التواصل والابداع. فيما أكدت الهيئة الإدارية الجديدة على استكمال المسيرة على ذاتالمبادئ التي انتهجها المنتدى منذ تأسيسه وهي:
- دعوة الأعضاء والأصدقاء "سيما المرأة والشباب" للمساهمة في عمل المنتدى بشكل مباشر، والتأكيد على ضرورة المشاركة في وضع الخطط والأفكار على اسس حضارية شفافة غايتها رفع شأن الثقافة العراقية والعربية والتعريف بطبيعتها. عملا بمبدأ "المنتدى بحاجة إلى أي جهد"، وان كلٍ له حقوق، وكلٍ عليه تقع المسؤولية.
- توفير مناخات التعاون مع الجمعيات والمنظمات اللاحزبية التي تؤمن باحترام الرأي والرأي الآخر ولها نفس الاهداف والرغبة بالعمل المشترك في المجالين الثقافي ـ الاجتماعي. وتقديم الخدمات "للقادمين الجدد" من ابناء الجالية العراقية والعربية.
- التأكيد على أهمية إعداد المشاريع وتقديمها للمراكز والمؤسسات الألمانية المانحة في وقت مبكر بهدف الحصول على دعم مادي يسهل عمل المنتدى وتطوير نشاطاته على الساحة الألمانية.
المؤتمر الثالث لمنتدى بغداد للثقافة والفنون ـ برلين