انا خائف ، على البلاد ، من سوء طوية اناس يقودونه الى مذبح مصالحهم الصغيرة ، فيما تبدو كل المؤشرات ، والقراءات ، والمعطيات ، انها تشير الى ان بلاتو الفساد الذي غرقت فيه سفينة العراق ارسى قوته ومتانته لضياعه مرة والى الابد ، والدعوات التي يطلقها البعض للكشف عن الوضع المزري الذي يحيط بالعقل الذي يدير مؤسسة الادارة الحكومية قد فات الوقت عليها وبدأت تزحف جحافل الوباء لتحطم كل شيء في طريقها ..
نعم انا خائف على البلاد ، ولست خائفا على نفسي ، وفضيحة السكوت التي اصبحت عارا على كل من يعرف حقيقة ما يجري ، وعلى الكيفية التي تدار بها امور هذه البلاد ، يبدو انها لم تعد فضيحة بمعناها الاخلاقي التي تتداوله الادبيات ..صحيح ان ظاهرة عدي وقصي وحسين كامل وكل هذه الاسماء التي سحقها التاريخ بحذائه ولعن سلسفيلها بات تتكرر وتتناسل وتنتج في عراق اليوم ؟ لكن الاصح ان السكوت عليها بات حالة من الاغماء العقلي ، لاادري لم تتكرر مشاهد التاريخ والناس راضية مرضية بذلك ، لا اريد ان اصف احدا بالجبن ، لانني سأكون اول هؤلاء الناس حتما ، بدليل خوفي وعدم تمكني من الخروج من البيت ، وانا امر في حالة من الاكتئاب النفسي والصراع المرير مع الامراض الجديدة التي تغزو جسدي ، ولكن يبدو ان الجبن انتشر في الهواء وماعادت قدرات الناس تتمكن من البقاء في حالة الاستنفار النفسي المفضي الى انطلاق الهيجان ضد زحف الكارثة ، فالحمقى من امثالي الحالمين بعراق سعيد ما بعد الطغيان وبالديمقراطية بدأوا يتكاثرون ، يتناسلون ، واكاد اقول انه لايمكن ايقاف مهرجان المهزلة اليومية التي نعيشها باحلامنا وتمنياتنا السطحية البالية ، لايمكننا ان نعلن ساعة الصفر للشروع في وقف كل هذا الالم ، اخشى ان الحالمين السذج من امثالي سيشمعون الخيط ، ويلجأون الى ارض الواسعة بحثا عن الامان ، فيما يستمر الفاسدون بالنهب العلني والسري ، في كل مكان من دولتنا العتيدة ، في معظم المكاتب الحكومية الكبيرة حيث تدار فيها الصفقات لشراء الذمم والضمائر والشرف ، واخشى ان اقول حتى الدين ، وفي هذا الاطار تحضرني قصة الخليفة العباسي الذي سأل احد مستشاريه عن العطاء الذي يمكن ان يقدمه كمستشار ومتنعم بخيرات الخليفة ، فقال له مالي واملاكي وضياعي ، فضحك الخليفة وقال له لدينا من المال ما سنغرقك به ، فقال المستشار ، اقدم النفس والولد ، فقال الخليفة ، لدينا من الرجال ما يملأون الارض سلاحا وعتادا وعدة ، فقال المستشار ، لم يبق الا الاهل ، وهم كذلك تحت نعلي الخليفة ، فقال الخليفة لدينا من الجواري لاعين رأت ولا أذن سمعت ، ولم يفقه المستشار ما الذي يريد ان يرمي اليه خليفته ، فقال له اخيرا ، ابيعك ديني يا مولاي .. فاستبشر الخليفة وقال له ، هذا ما اريد !!
قلت انا خائف على البلاد ، خائف من بيع كل شيء ، حتى الدين واخشى اننا قد قاربنا او وصلنا الى هذا المفترق الصعب ، اخشى ان بعضنا يتجه الى بيع دينه ، مقابل حفنة من الدولارات ، اخشى اننا قد نصاب جميعا بلوثة الاخصاء والتبلد والخوف ، ولايعود لدينا ما نواجه به الله .. اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة .. واجعل الفاسدين والناهبين والمتسترين يخافون الميعاد .. يوم لا ينفع فيه لامال ولابنون .. ويرحمون انفسهم ، وهذه البلاد .
مقالات اخرى للكاتب