ربما لازال المالكي يعتقد أن عملية التنويم المغناطيسي الذي ما برح حزب الدعوة الاسلامي يمارسها على الرأي الوطني والشعب العراقي لاتزال تجدي نفعا وأن أسلوب المكر والخداع الذي تبناه لايزال ينطلي على الشعب الذي أراد تحويله الى قطيع غنم يسوقه على هواه، في الوقت الذي تفطن فيه الجميع لعمليات الفساد والصفقات المشبوهة التي تتورط فيها حزب الدعوة "المبجل" من رأسه حتى اخمص قدميه.
كانت الطريقة التي أوقع بها المالكي علي الدباغ الناطق الرسمي باسم حكومته ومحاولة توريطه في صفقة السلاح الروسي الفاسدة، بمثابة احد الوجوه التي يستعملها نوري المالكي عندما يطفح به الكيل أو عندما يجد نفسه أمام أمر قد يسقط ورقة التوت عنه.
الدافع الاساسي وراء كتابة هذه السطور ليس الدفاع عن الدباغ ولا عن اي جهة كيفما كان نوعها، لان الدباغ رجل سياسي يعنيه الامر اكثر مما يعني غيره وهو قادر على الدفاع عن نفسه بالمحاججة واخراج كل ما بحوزته من أدلة وبراهين ان توفرت، ولكن الدافع الحقيقي هو كشف الغطاء اكثر عن التلاعبات التي تنهجها الحكومة وكيف انه بالسهل عليها تسقيط واقالة وتلطيخ سمعة كل من استشعرت خطورته على حياة حكمها، أويهدد مآربها، وفي المقابل تبرز وتلمع كل من اطمئت له مصالحها، بعد تسخير ماكيناتها الاعلامية في كلا المهمتين.
ما من شخص سليم العقل سيطرح على نفسه السؤال التالي، ولو ان السؤال يطرح نفسه بنفسه،"ما علاقة ناطق باسم الحكومة الذي تقتصر مهمته وحسب المفهوم السائد هو التعامل مع وسائل الإعلام، وبالتالي مع الرأي العام، ونقل ملخص عن نتائج الجلسات الحكومية والتعبير عن موقف ورأي الحكومة في قضايا معينة، اما الصفقات وشراءات كبيرة وحساسة كهذه التي تتعلق بالاسلحة،فهي مختصة برئيس الوزراء مباشرة والوزير المختص وكادره، مع العلم أنه تُترَكُ المسائل الحسّاسة جداً لرئيس الحكومة دون سواه؟
لم نكن نعلم أن دور الناطق باسم الحكومة يشمل ايضا التوقيع على العقود والصفقات المدنية والعسكرية، وأن وظيفته تؤثر أيضا في عقد الصفقات أو المفاوضات عليها.
عجيب أمرك أيها العراق الجديد، لقد تشابهت علينا الامور واختلط الحابل بالنابل، ولم نعد قادرين على استيعاب ما يجري داخل أسوارك، مادامت الاتهامات توزع كما توزع الحلوى، وأصبح القتل والاغتيال امرا عاديا كمشاهدة أفلام الاكشن، فكل شيئ أصبح طبيعيا في ظل حزب الدعوة وديمقراطية مردخاي وهنري كيسنجر وبرنار لويس، الذي لم يكن ليختلف نهج حزب الدعوة الإسلامي عن النظام السابق، هي نفس الأطباق لكنها مثلت امامنا بأغطية مختلفة.
ان محاولة توريط الدباغ في القضية يؤكد على ان الرجل يمتلك معلومات سرية كانت ستفجر فضيحة لامحالة لذلك قاموا بالتغدي به قبل ان يتعشى بهم، حيث أن الطريقة والكيفية توضح وبشكل قاطع انه كمين لكن لم يحكموا تنصيبه، والدباغ هو من نبه المالكي مسبقا باحتمال ان تكون هناك شبهات فساد تتعلق بصفقة السلاح قبل السفر الى روسيا باربعين يوما، على الرغم من انكار المالكي ذلك وكما هي الصفة الغالبة عليه، لأن الأخير شعر أن هناك من يريد افساد المهمة عليه وعصابته، ولعل اكبر دليل يثبت ذلك هو رفض المالكي التراجع عن الصفقة، فلو كان المالكي يحمل ذرة من الشرف لالغى كل شيئ تشوبه الشبهات مهما كان حجم الخسارة، او اعادة المفاوضات.
نعترف انه من الصعب الآن الحسم في تبرئة علي الدباغ واخراجه من دائرة التهمة التي ألبست له، في انتظار ما ستتوصل اليه اللجنة الثلاثية التي شكلها البرلمان خلال الايام القريبة القادمة، هذا في حال لم تتعرض فيه هذه اللجان لضغط يفوق ارادتها ويحولها عن مسارها.