كان الصديق الشاعر د.سعد الصالحي يتحدث مع عدد من طلبة كلية الفنون الجميلة ببغداد عن رواد الإخراج السينمائي في العالم، وجلّ هؤلاء الرواد مشاهير وأسماء معروفة لعامة المتعلمين، فكيف بأولي الاختصاص.
يروي د.الصالحي هذا ويضيف باستغراب واستهجان وإدانة وتهكم: “كنت أتحدث وكأنني أتحدث مع جدران صُم”. وهو كان يبغي الاشارة بذلك الى الردة البيّنة في التربية والتعليم العالي.
وهذا يذكرني بالحكومة “المطنشة” أذنها لأهازيج وهتافات وصرخات وبيانات المتظاهرين في ساحة التحرير وساحات المحافظات. فهي تراوح في حلقة إصلاحاتها، والبرلمان يتراجع عن بعض قراراته، بينما تزداد التظاهرات تنظيما وتنوعا وسطوعا وسطوة، ولكن .. لا اصغاء لها من الأذن الرسمية! فأنت “أسمعت لو ناديت حيّا .. ولكن لا حياء لمن تنادي”. وصحيح قول ربعنا الصحفيين أن الكاتب قبل سقوط النظام كان يخاف حتى أن يلمح في ما يكتب لئلا يُفسّر ضده، أما بعد السقوط فقد جفّ حبر الكتّاب وبحّ صوت المطالبين ولا أحد من بيت الحكومة يقرأ أو يسمع.
وحتى تسمعُ المنطقة الخضراء الصوت صافيا قريبا، تحرك المتظاهرون أمتارا أبعد من ساحة التحرير، فعبروا الجسر ووقفوا ثلاثاءين أمام بوابة “علي بابا”، متحدين السبّ والشتم والضرب والاعتقال، حتى يوصلوا آهة الناس إلى حكومة الناس ونوّاب الناس.
لا نريد لحُكم د.الصالحي على طلبة الفنون الجميلة أن ينطبق على أهل البرلمان والحكومة أيضا، ولا ان ينطبق حُكم حكاية د.ليث غازي الذي حدثنا عن واقعة في مدينة القدس، حيث اعتاد رجل يهودي عراقي كبير في السنّ أن يذهب ثلاث مرات كلّ يوم الى حائط المبكى ليصلي، واستمر على هذا المنوال دون كلل أو ملل منذ حطت رجلاه على تلك الأرض وهو غضّ نضير عام 1950.
في عام 2010 سمعت مراسلة (سي ان ان) به وبمواظبته الملفتة للنظر طوال عقود، فقررت إجراء حوار قصير لطيف معه لقناتها. ذهبت إلى حيث الحائط الشهير. انتظرت بعض الوقت. رأته قادما، متوجها لأداء طقسه. وظلت تراقبه خمسا واربعين دقيقة. وعندما أنهى الختيار النشط صلاته واتجه خارجا، توجهت اليه المراسلة اللبقة المتمكنة. أوقفته وخاطبته قائلة:
* أنا ميري سميث، من السي ان ان، سيدي هل لي أن أسألك: منذ متى وأنت تأتي للصلاة عند الحائط؟
ـ منذ 60 عاما.
* رائع، وماذا تدعو في صلاتك عند الحائط؟
ـ دعائي أن يعمّ السلام، وأن تنتهي الكراهية، وأن يكبر أطفالنا في جو من الوئام والوداد والطمأنينة والهناءة.
* جميل، وما هو شعورك وأنت تؤدي ذلك لستين عاما؟
ـ أشعر وكأنني أكلم حائطا..
مقالات اخرى للكاتب