كان المعلم والمدرس يجسد فعلاً, قول الشاعر؛ كاد المعلم أن يكون رسولاً, لأنه مشعلاً للعلم, ومناراً للتربية, وطيلة خمسة عقود ويزيد, كان المعلم العراقي؛ مرشداً ومربياً ومصلحاً ومبلغاً في مدن البلاد واريافه, بالقرية والاهوار والبادية, ولكن تقلبات السياسة جعلت منه الة صوتية, يلقي مادة علمية, بدون تقديم أي خدمات اخرى.
فكثيرة هي الحكايات؛ التي يرويها رواد التعليم في العراق, عندما كانوا يجوبون البلاد عرض وطول, حتى بات المعلم يعد زعيم في المنطقة, التي ينزل فيها, يصلح بين ذات البين, ويرشد الناس للأمر بالمعروف, ونهي عن المنكر, فكان يثيب ويعاقب من منطلق الابوية, والمصلحة العليا للطالب وعائلته, والمستقبل الذي من اجله فرض التعليم الزاماً, بدون أي معوقات تكون حائر أمام مهنته.
فالجيل الذي مضى من التربويين في العراق, لم يكن مجرد موظف, ينتظر نهاية الشهر ليتقاضى راتبه, ويقضي يوم حذراً من أي تصرف, ربما يأتي سهواً, فكان ذلك الجيل معلماً ومنظراً ومثقفاً؛ شاعراً وكاتباً وقاصاً وروائياً ورساماً, ومفكراً يعي ما يفعل, وواعياً لما يحدث, فكان المعلم يرسم سياسة الدولة, ويضع مشاريع قوانينها, ويستشار في كل صغيرة وكبيرة من قبل ساسة البلد.
ولكن بعد التغيير عام 2003 كل شيء تغير, فذلك الجبل الشامخ؛ بدأت ملامح الذل واضح عليه أمام الطالب, حذراً في تعامله معهم, حيث لا يبالي لسلوكيات الطلبة, فأخذ الطالب يتمرد في التزاماته, وبات الحصص اليومية كالسجن على بعضهم, كل ذلك ويزيد, نتيجة تدخل السياسة في رسم مسارات التعليم, وليس العكس كما كان يحدث في البلد, تحت مسمى حقوق الانسان للطالب.
ينقل أحد المدرسين أنه وزملائه, تفاجئوا من سلوك أحد طلبتهم, حيث يتعامل مع المدرسين بتعالي, ولا يهتم للدخول للصف الدراسي, ولا يُحضر ما يطلب منه, ولم تفلح معه توجيهات مدير المدرسة والنصح له, وعندما قرروا التعامل مع الطالب بحزم, لإعادته لرشده اسوة بزملائه, تفاجئوا باليوم التالي إن المدرسة تحولت لحلبة للصراع العشائري, بين الكادر وعشيرة الطالب, كونه أبن احد شيوخهم.
ما حدث في محافظة ذي قار, بتجاوز احد منتسبي وزارة الداخلية, برتبة ضابط على مديرة مدرسة, يعكس حالة مجتمعية سلبية, ربما المديرة لم تكن السبب بالمشكلة , حيث اصطدام تلميذتين داخل أروقة المدرسة, ادى لإصابة احدهما بجروح, ما جعل "والد احدهما", يتجاوز بشكل سافر على المديرة في مكان عملها, وبعيد عن كل التفاصيل, ما حدث يعد انتهاك سافراً بحق المديرة.
اذن؛ التساؤل يوجه لوزارة التربية تحديداً, ألم تكن اجراءات حقوق الانسان؟, التي طبقت في التعليم غير صحيحة؟, مقابل هكذا تصرفات لمواطنين, منهم غير المنضبط في داخل اسرته وبيئته, فكيف يفتح الباب على مصرعيه أمام اولئك, لكسر هيبة التعليم بالعراق, على يد من لا يحترم نفسه, قبل أن يحترم القانون الانساني.
مقالات اخرى للكاتب