ترخيص ذات واهانة وطن, ظاهرة عراقية مغموسة بالأحباط وجدت لها مطبات بين قلة من عراقيي الخارج وخاصة على غرف البالتاك, متعلمون يحرق زفيرهم اخضر القيم ويابسها, كمن يبصق في وجه امه ثم يصفعها, يهينون العراق بطريقة لا تخلو من الأنتهازية, يتحدثون عن وطن ينتمون اليه (كما اعتقد) شامتين مفترين وبلهجة اهلهم المحببة يعبرون عن خجل مضحك ازاءه, نادمون على انهم ولدوا عراقيون في وطن لا اصل له ولا تاريخ, صنع انكليزياً عام 1921 ويجب اعادة فصاله ثلاثة هويات وجغرافيات طائفية عرقية .
الأنتماء الوطني ليس امراً اختيارياً يمكن استبداله بتأثير ازمة مزاج او حالة ذوبان اممي, انه كأنتماء الأعضاء للجسد, لا خيار لنا فيه, كمن لا خيار لنا في ان نقطع احد اطرافنا عن جسدنا لمجرد الرغبة او التجديد, الدين والعقيدة والفكر قضية اختيار ويمكن للناس ان يتنوعوا ويغيروا فيها من داخل المجتمع الواحد, لكنهم ليس بأمكانهم ان يكونوا بلا اطراف, ومن يكره او يشتم وطنه او يخونه احياناً, فتلك حالات شاذة كمن يولد مشوهاً لولادة غير طبيعية .
بعضهم يشتمون العراق ويدعون انه وهم وكيان مفتعل ويجب ان يكون قدره القسمة على ثلاثة كيانات (شيعية سنية كردية) ومن اجل ان تكون الصفقة ناجحة, يجب وبالضرورة اجتثاث مكوناته التاريخية للتخلص منها عراقة حضارية, كذلك لم يشعروا بالحرج امام الموظف الأوربي عندما يقدمون اوراق لجوئهم حيث يعلق "يوم كان العراق, ما كانت امريكا ولا حتى اوربا " ولم تنل منهم صدمة الثوابت الأثارية العراقية وهي تتصدر المتاحف الأوربية والعالمية, حيث بلغ الأمر مهزلته, ان المواطن الأوربي يعرف عن العراق تاريخاً وحضارة اكثر من متعلم عراقي انسلخ عن حقيقتة العراقية .
يطاردون ويحاصرون ويذلون احياناً من يقول "انا عراقي" او يعبر بشكل وآخر عن انتمائه الوطني, حتى اصبح المواطن السوي يتجنب الأهانة التي اخذت شكلها المجحف, انها عملية غسيل ادمغة وضمائر واستغلال بشع لحالات الأحباط والأنهاك الداخلي, انهم ضحايا بلا شك وحالة سقوط في مصائد دراسات ومشاريع استخباراتية واعلامية عملاقة تتقن وظيفتها على الأصعدة العالمية والأقليمية وكذلك المحلية, يرافقها حالة اغراءات لأسترخاص الضمائر, فأغلب تلك الضحايا يتنافقون من عمق نفق الهاوية الأخلاقية, مأزق سوف لن يجدوا مخرجاً منه بسهولة الا بعد ان تغادر العنزة المستأجرة ابطهم .
ذلك الهوس البليد, وجد تربته المثالية داخل القيادات السياسية والثقافية لبعض أكراد الأقليم, منطق مغموس بالوهم والشعوذات الفكرية والسياسية, يبتكرون تواريخ لا تاريخ لها ليقنعوا انفسهم بأن العراق وهماً لا وجود له او كان في الأصل (كردستانياً !!!) واصبح الآن متنازع على ثلاثة ارباع جغرافيته وثرواته, قناعات غارقة في سراب وهم امبراطورية الأقليم التي ستقام في مخيلتهم بعد تفتيت العراق واعادة تقاسمه, وبعقلية قاصرة يتوهمون, ان السومريين والبابليين والأكديين والأشوريين جميعم كانوا احفاداً للكرد وان العراق قد استحدث على حساب لا شيئيتهم, انه تشويه جيناتي عصي على الشفاء الا بعد ان يلتف حبل المأزق القادم حول عنقهم القومي, بعدها سيتوازن رشدهم وتتحسن بصيرتهم ليروا الحقيقة العراقية التي هم احدى مكوناتها.
بالمال العراقي والخبرات الأسرائيلية والأعلام الدولي, استطاعت وصفة الكراهية للعراق والتنكر للهوية الوطنية ان تمرر لوثتها وتترك اثارها على عقول وضمائر قلة من بنات وابناء متعلمي العراق, ازدواجية ضيعوا فيها المشيتين, فلا هم عراقيون, ولا هم اجانب, انها معاناة حقيقية, ان يصطدم العراقي مع العراقي حول اثبات انتمائه الوطني, خراب انفلتت شلالات قيحه من مرتفعات اورام التعصب القومي الكردي, تجاوز الخطوط الأخلاقية الحمراء ليضع العراق وجهاً لوجه امام كوارث التجزئة والتقسيم, انها ثقافة كريهة وجدت مستنقعاتها في مواخير اربيل حصراً لأعادة الأستتساخ, ورشات يدخلها المساوم المحبط ليخرج منها بلا معنى, رافضاً انتماءه الوطني داعية للشرذمة والتقسيم .
شاب فلسطيني, وقبل ان يشترك في عملية فدائية في الأراضي الفلسطينية المحتلة, قال : "اريد بدمي ان اجدد انتمائي وولائي لحبيبتي لفلسطين" اغلب الأجانب عندما تسألهم يجيبوا "انا مصري او هندي او باكستاني اعيش في المانيا او السويد او غيرها" مالذي حدث لتلك القلة من العراقيين, وخاصة ذلك المتيبس من بقايا بور الأممية, الماسك بذيل التقدمية, يستثقفون ويتفلسفون بمحدودية خانقة ولهاث الخيبة يمزقهم, هل يمكن لنا ان نتناسا التاريخ الوطني للعراقيين, انتفاضاتهم اعتصاماتهم تظاهراتهم وثوراتهم واخرها التطوع الأسطوري لبواسل الحشد الشعبي, وحتى على صعيد الخارج, هل من المعقول التنكر للأدوار الوطنية لمنظمات المجتمع المدني, جمعيات واتحادات ومنظمات شبابية ونسائية, وبعد اكمال دراساتهم التحقوا انصار وثوار في صفوف الحركة الوطنية, الشهيد خالد احمد زكي ورفاقه مثالاً, وحتى في اسرائيل, هناك حي عراقي.
من افرغ تلك العجائز المرعوبة وهي على خطوات من النفس الأخير من ولائهم, وجعلهم مهوسين بأوهام المشاريع النفعية عبر صفقات ثرثرات فكرية مكثفة, اغلبهم مروا او في جيوبهم دعوة المرور في اربيل, ومن يدخل فكي فنادقها عليه ان يخرج من تحت ذيلها كيان مسحوق وذات مستهلكة موحلة بعفن الأرتزاق, انهم الوجه الأرخص لعملة الأستكراد .
مقالات اخرى للكاتب