بعدَ أنْ حُلَّتْ مشكلة التعويضات المالية مع الخطوط الجوية الكويتية ورُفِع الحظر عن طائرات الخطوط الجوية العراقية، تأمّلَ العراقيون خيراً، وخاصةً المقيمون في البلدان الأخرى، بأنهم سيتخلّصون من عناء السـفر المكلف للجهد، بسبب مرورهم بدولة ثالثة – تركيا والأردن، وغلاء أسعار تذاكر الطائرات التركية والأردنية، ويعود السبب في ذلك إلى غياب الرحلات المباشرة لطائرات الخطوط الجوية العراقية بين بغداد والبلدان الأوربية وكندا والولايات المتحدة، في حين هنالك رحلات يومية إلى طهران وبيروت للطائرات العراقية واللبيب يفهم السبب!.
لقد مرَّت الخطوط الجوية العراقية بحالة الفوضى والفساد بعد رفع الحصار عنها، متمثلة بإدارة غير كفوءة إلى شراء طائرات كندية، عن طريق السماسرة، لا تتلاءم مع الأجواء العراقية إلى المبالغة بأثمانها... ثمّ أُشيعَ خبر في عهد وزير النقل السابق "هادي العامري" بأنّ وزارة النقل تشتري وقود الطائرات بالسعر المحلي من وزارة النفط وتبيعه للخطوط الجوية العراقية بالسعر العالمي والفارق في السعر يذهب إلى الجيوب، ولا ندري مدى صحة ذلك الخبر.
بعيداً عن الايماءات، علينا أن نوجّه الملاحظات التالية إلى وزير النقل الحالي "الداهية" باقر صولاغ:-
1- إنّ الخطوط الجوية العراقية، تمثل أحد الصروح ألتي يعتز بها الشعب العراقي، خاصةً وإنها قد حازت على الميدالية الذهبية من بين جميع خطوط الطيران العالمية في سبعينات القرن الماضي، ويعود الفضل في ذلك إلى رُقي الخدمات المقدَّمة على متن طائراتها وفي صالات مطار بغداد، وإلى دقة مواعيد المغادرة والوصول وعدم تعرضها إلى حوادث تمُس سلامة الطيران. لذلك هي الشركة الوحيدة ألتي يمكن إطلاق تسمية – الناقل الوطني – عليها، كما هو الحال في جميع دول العالم، وكأمثلة (الملكية الأردنية، المصرية، الشرق الأوسط – لبنان، الملكية المغربية، لوفتهانزا الألمانية، أيرفرانس، الملكية الهولندية - ك أل أم، آيرفلوت الروسية وغيرها)، أما الشركات الأخرى التابعة للقطاع الخاص، فلا يجوز تسميتها بالناقل الوطني، كما يجتهد الوزير "الفلتة"... وللتأكيد على مبدأ دعم الناقل الوطني والاعتزاز به، قامت شركة الخطوط الجوية الايرانية "إيران أير"، بعد رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، بتوقيع عقد مع شركة "أير باص" لشراء 104 طائرة!.
2- تناولَت وسائل الاعلام المختلفة مسألة ظهور شركة طيران خاصة "فلاي بغداد" بصورة مفاجئة، وما يحوم حولها من صفقة فاسدة بين مالكي الشركة والمتنفذين في وزارة النقل!... إرتباطاً بهذا الموضوع وحتى تكون الصورة واضحة، أسوقُ الحالة التالية: في المدن الأوربية، تتواجَد أجهزة تابعة إلى الدولة، تمتلك صلاحية إجازة مختلف الشركات لممارسة النشاط الاقتصادي، ولكن تُمنَح الاجازة بعد أن تُــقدّم تلك الشركات الوثائق ألتي تثبت شرعية مصادر أموالها، أي لا علاقة لها بعمليات تبييض وغسيل الأموال، وتلك الخطوة تمثل أولى مهمات ألأجهزة الرقابية الرسمية للتأكد من سلامة رأس المال التأسيسي وحجمه إن كان يتناسب مع النشاط الاقتصادي لكل واحدة من تلك الشركات.... بَيدَ أنّ وزير النقل الحالي "دام ظِلّه" تجاوز القواعد القانونية وأعطى لنفسه الحق بمنح الاجازة لتلك االشركة قبل إحالة وثائقها إلى الجهات الرسمية المختصة (هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية)، اللتان تمتلكان الحق بالبَت بمنح ألإجازة من عدمه.
3- قبل يومين، أفتَتْ وزارة النقل بطرح شركة الخطوط الجوية العراقية للإستثمار!. وتلك الفتوى تعني أمرين: الأول سوء إدارة الشركة، ألذي يعني بدوره جهَل وإستهتار وعدم حرص القائمين على إدارة وتطوير نشاط الشركة والإرتقاء بخدماتها، وألذي تسبّبَ بحرمان الطائرات العراقية من الوصول إلى العواصم الأوربية، وكل ذلك ناجم عن نظام المحاصصة المقيتة. الأمر الثاني، يعني أنّ الشركة تتعرّض إلى الخسائر المستمرة، فإن كانت هكذا حالة موجودة، فيمكن معالجتها عن طريق فتح خطوط جديدة إضافية مع تخفيض أسعار التذاكر بأدنى ما يمكن، لاسيما وأنّ بقية الخطوط العالمية خفضتْ أسعار تذاكرها بالتناسب مع إنخفاض أسعار النفط.
لقد هدّمتْ معاول داعش كل صروح حضارات وادي الرافدين وبالتناغم مع قوى الفساد الجاثمة على السلطة، ألتي إستنزفَت آخِر فِلس من أموال الدولة ... فهَل سينهض العراقيون كطائر العنقاء بإزاحة تلك الأدران من الوجود من أجل بناء عراق حضاري ديمقراطي علماني!؟.
مقالات اخرى للكاتب