في 14 آذار (مارس) الحالي أعلن المستشار الإعلامي لوزارة الدفاع نصير نوري في مؤتمر صحافي أن "مجلس الدفاع وافق على مشروع قانون خدمة العلم (الخدمة العسكرية الإلزامية) لغرض توفير احتياطي من الجنود من اجل إعادة بناء جيش متطور، وتم استخدام فقرات قانون الخدمة العسكرية أيام حكم صدام حسين".
وقبل عام 2003 كان العراق إبان حكم الرئيس صدام حسين يطبق هذا النظام على الشباب ويطلق عليه اسم "خدمة العلم"، وبسبب كثرة الحروب التي شهدها العراق أودت بحياة مئات آلاف من العراقيين الذين ما زالوا يحتفظون بذكريات سيئة عن تلك السنوات.
ولكن بعد سقوط نظام صدام حسين أعلن العراق إلغاء هذا القانون، وهو من الأشياء الايجابية القليلة التي حدثت للعراقيين بعد الاحتلال الأميركي لبلادهم.
ولم تمض ساعات على قرار وزارة الدفاع الجديد، حتى بدأت موجة واسعة من الاعتراضات بين العراقيين خصوصا الشباب منهم، واتهموا الحكومة بإعادة تطبيق إجراءات دكتاتورية، بينما اتهم آخرون الحكومة بالفساد والتغطية على فشلها.
ذكريات سيئة
كان الشباب العراقيون قبل 2003 يخضعون لقانون الخدمة العسكرية الإلزامية الصادر عام 1969 ويتضمن في المادة (2) منه ان: "يكلف بالخدمة الإلزامية في الجيش (36) شهرا من أكمل (19) عاما من العمر ولم يلتحق بالدراسة، و(24) شهرا من أكمل الدراسة الإعدادية، و(18) شهرا لمن أكمل الدراسة الجامعية، واربعة أشهر من أكمل دراسة الماجستير أو الدكتوراه".
ويطلق العراقيون اسم "ابو خليل" على الجندي العراقي آنذاك، ويدل على المعاملة السيئة التي يتعرض لها الجندي العراقي أيام حكم الرئيس الأسبق صدام حسين في معسكرات الجيش والعقوبات الشديدة التي يتعرض لها.
ولم تكن هناك استثناءات إلا لمن يدفع مبلغ مالي قدره مليوني دينار عراقي، وهو مبلغ كبير في العراق قبل عام 2003 يعادل سعر منزل صغير، ولا يتمكن إلا الأثرياء جدا وأولاد المسؤولين الكبار من دفعه.
والمشكلة كانت في العقوبات التي كان ينفذها صدام حسين ضد كل من يحاول التملص من هذا القانون، وهناك مئات القصص التي يتذكرها العراقيون حول تلك العقوبات القاسية التي وصلت الى حد قطع الأذن.
خضير البهادلي الذي يبلغ (43) عاما من العمر ويسكن مدينة الصدر شرقي بغداد، احد ضحايا قطع الأذن بسبب تهربه من الخدمة الإجبارية في الجيش، وهو الآن يشعر بالغضب على قرار وزارة الدفاع بإعادة العمل بهذا القانون العسكري.
ويقول البهادلي لـ"نقاش" حول الموضوع "في عام 1995 تعرضت لمطاردة من قبل عناصر من الجيش وأعضاء في حزب البعث في المنطقة التي اسكن فيها لأني لم التحق بالجيش بعد بلوغي السن القانونية، وكنت اعمل لإعالة عائلتي أيام العقوبات الاقتصادية المفروضة على العراق".
ويضيف "بعد ساعات من المطاردة تمكن الجنود من الإمساك بي ووضعوني داخل صندوق السيارة العسكرية التي كانوا يستقلونها، وبعد وصولنا إلى احد المعسكرات تم قطع أذني كعقوبة على تهربي من الخدمة العسكرية الإلزامية".
ويرفض البهادلي قرار وزارة الدفاع الأسبوع الماضي بإعادة تطبيق هذا القانون، ويقول "بعد تلك السنوات من الذكريات السيئة يريدون الآن إجباري مجددا على العمل في الجيش رغما عن إرادتي.. هذا أمر غير إنساني، ويزيد من الشباب المهاجرين إلى الخارج".
ولم تكشف وزارة الدفاع عن مشروع القانون الجديد، ولكنها أعلنت بعض الفقرات، بينها ان الخدمة العسكرية ستشمل أعمار الذكور العراقيين من 19 إلى 45 سنة، ما يعني أن البهادلي بموجب هذا القانون سيعود إلى العمل العسكري.
إضافة الى البهادلي فان آلاف الشباب العراقيين انتقدوا قرار وزارة الدفاع، واستخدموا صفحات التواصل الاجتماعي للإعلان عن رفضهم له فيما لجأ آخرون إلى التندر وإطلاق النكت بشأنه في "الفيسبوك"، وانتشرت هاشتاكات عديدة بينها #انا_ضد_الخدمة_العسكرية_الإجبارية، و#اوجدوا_لي_وطنا ثم اطلبوا مني الالتحاق بجيشه، وهددوا بالهجرة إلى الخارج.
وطرح آخرون تساؤلات أخرى، هل سيشمل القانون أولاد المسؤولين؟، وبعض أعمار المسؤولين وقادة الأحزاب الحاليين هل يشملهم القانون وهل سيلتزمون به؟.
تطبيق صعب ....وباب آخر للفساد
على الرغم من أن قانون التجنيد الإجباري الذي وافقت عليه وزارة الدفاع بحاجة إلى موافقة البرلمان الذي غالبا ما يأخذ شهورا طويلة لإقرار القوانين قبل أن يدخل حيز التنفيذ، ولكن هناك صعوبات كثيرة تواجه تطبيق القانون.
أولى هذه الصعوبات هو عدم قدرة وزارة الدفاع على توفير معسكرات كافية لاستيعاب أعداد العراقيين المشمولين بالقانون، ووفقا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء التابع الى وزارة التخطيط يبلغ عدد سكان العراق الآن نحو (37) مليون شخص، ونسبة الذكور (19) مليون شخص، ويقدر عدد الذين تتراوح أعمارهم بين ( 19- 45) نحو خمسة ملايين شخص يشملهم قانون التجنيد العسكري الإجباري.
ويقول ضابط برتبة عقيد في قسم الموارد البشرية في وزارة الدفاع لـ "نقاش" اشرط عدم الكشف عن اسمه إن "استيعاب الملايين في التدريب العسكري يحتاج إلى العشرات من المعسكرات الجديدة وأموال طائلة وآلاف الضباط للإشراف على التدريب وهي أشياء من الصعوبة تحقيقها".
ويضيف "يواجه العراق يواجه أزمة في التدريب ولهذا تقوم قوات التحالف الدولي بتدريب قوات الجيش والشرطة في الوقت الحاضر.. اعتقد بان قانون التجنيد الإجباري يحتاج إلى سنوات طويلة من الاستعدادات".
ومن الصعوبات الأخرى هي استحالة تطبيق القانون على الجميع دون استثناء، لان هناك العديد من المدن ما زالت تحت سيطرت تنظيم "داعش"، ويمنع السكان من الهروب منها، كما أن أزمة النزوح التي شهدتها البلاد بسبب "داعش"، أوجدت أكثر من ثلاثة ملايين نازح موزعين على مناطق مختلفة ولا تملك الحكومة معلومات كاملة عنهم.
بسبب الفساد الإداري والمالي المتفشي في غالبية المؤسسات الحكومية فإن الكثيرون من العراقيين يعتبرون إعادة العمل بنظام الخدمة العسكرية الإلزامية باباً آخر من أبواب الفساد للحصول على الأموال من المواطنين، كما يحصل في الجيش والشرطة.
عبد الجبار سمير وهو موظف حكومي في وزارة المالية يقول لـ"نقاش" ان "بعض العراقيين لن يلتزموا بالدوام في الجيش في حال تم تطبق قانون التجنيد الإجباري لان غالبيتهم لديهم أعمال مدنية اخرى ومشاريع تجارية، ولهذا سيقوم هؤلاء بدفع أموال إلى الضباط مقابل عدم الالتحاق بالجيش".
ويضيف أن "ظاهرة الجنود الفضائيين المنتشرة في الجيش ستزداد بعد تطبيق هذا القانون.. وعلى الحكومة عدم الوقوع بنفس الأخطاء وإيجاد بدائل أخرى".
واكبر المخاطر التي تواجه العراق ازدياد ظاهرة الهجرة إلى الخارج، والشباب العراقيون الذين هاجروا الى أوربا للحصول على وظيفة وحياة آمنة بعيدا عن الحروب، فان أعدادهم ستزداد بلا شك في حال تم إجبارهم على الخدمة العسكرية الإلزامية.
حلول بديلة
وعلى اثر الانتقادات الواسعة، رجح نواب ومسؤولون عدم تنفيذ هذا القانون في الوقت الحاضر، وسيتم تعديل العديد من الفقرات عند مناقشته داخل البرلمان.
عمار طعمة عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان قال لـ "نقاش" ان "القانون لن يطبق دون موافقة البرلمان.. كما أن لجنة الأمن والدفاع لديها العديد من التعديلات والاقتراحات التي سيتم تضمينها في النسخة الأخيرة منه".
ومن بين هذه الاقتراحات ان تكون الخدمة العسكرية طوعية وليست إجبارية، وكل من يقرر الالتحاق بالجيش من الشباب يتم منحه راتبا جيدا لكي يعيل عائلته، وامتيازات أخرى مثل منحه فرصة اكبر بالحصول على الوظيفة المدنية لكل من تطوع في الجيش لعدة شهور، كما يقول طعمة.
ويقول طعمة أيضاً إن "الخدمة العسكرية الإلزامية تتعارض مع النظام الديمقراطي وتقيد من الحريات".
وطبق العراق بعد عام 2003 قانون التطوع الاختياري في صفوف القوات الأمنية، وهناك مئات آلاف الشباب الذين تطوعوا في صفوف القوات الأمنية طيلة السنوات الماضية، وما زال الاقبال متزايدا للتطوع ما اضطر وزارتي الدفاع والداخلية الى تحديد الأعداد السنوية للقبول فيها.
وجاءت فكرة إعادة العمل بالخدمة العسكرية الإلزامية كبديل عن مشروع "الحرس الوطني" الذي يتضمن إنشاء قوات أمنية محلية في كل مدينة، وبسبب فشل السياسيين في إقرار القانون، فان بعضهم اقترح العمل بقانون الخدمة العسكرية الإلزامية، ولكن صعوبات تطبيق هذا القانون والاعتراضات الكبيرة ستمنع من تطبيق القانون في الوقت الحاضر
مقالات اخرى للكاتب