مشكلة العراق المستعصية هي أن مقر الحكم في بغداد و منذ بداية تأسيس العراق لم يستطع أن يدرك أن الدولة المتشكلة أنما جائت نتيجة تسوية و تقاسم نفوذ بين الدول المنتصرة في الحرب ضد الدولة العثمانية التي هي المحتل الأخير في سلسلة طويلة من المحتلين الذين توارثوا أحتلال بلاد ما بين النهرين(التسمية الأصلية للعراق). هناك عدة أسباب و دوافع للفهم الخاطيء و السياسات الخاطئة التي يتخذها الذين يسيطرون على الحكم في بغداد و هذه الدوافع قد تكون بثلاثة أبعاد.
البعد الأول(الذاتي)
لو قرأنا السير الذاتية لأي شخصية تسلمت مقود الحكم في العراق لرأينا ألا ما ندر أنهم جميعآ من المتعصبين لقوميتهم أو طائفتهم لا يستطيعون أن ينظروا بعقلانية للقوميات و الطوائف الأخرى التي تعيش في العراق و لا يستطيعون أن يمنعوا أنفسهم من التآمر ضد القوميات و الطوائف الأخرى للأستحواذ على تأريخها و مقدراتها بشتى الوسائل التي عهدناها جميعآ كالتعريب و القوانين الجائرة للسيطرة على الأرض و الممتلكات و أطلاق التهم و القرارات الدموية للقضاء على حاضر الشعوب و القوميات الأخرى بهدف أضعافها و جعلها ترضخ لواقع مزيف هو أن كل شيء في العراق يعود للعرب. البعد الثاني(الآيديولوجي)
كثير ممن حكم و يحكم العراق ينتمون للتيار العروبي الذي فرخ الكثير من الأحزاب و الحركات القومية و الأسلامية التي أن أستطاعت, قامت بواجبها (المقدس) بمحاربة القوميات الأخرى في العراق و أن لم تستطع بمفردها قامت بالتحشيد الديني و نشرت شعاراتها الممزوجة بدموع التماسيح غيرة على الدين من المارقين (ألم يسمينا أحدهم نحن الكورد بالمارقين؟). القوميون العرب بارعون بالتخفي و أرتداء شتى أنواع الأثواب لتمرير مخططاتهم لكنهم دائمآ يصطدمون بالحقيقة التي لا يستطيعون أستيعابها رغم هزائمهم المتكررة و هي أن الفرد و أن كان حاكمآ لا يستطيع أن يهزم شعبآ و الأمثلة كثيرة.
البعد الثالث(الأجنبي)
للأسف ومنذ تأسيس الدولة العراقية على أنقاض بلاد ما بين النهرين لم نشهد أي مرحلة من مراحل الحكم و قد أتسمت سياساتها بأستقلالية القرار و الأرادة بل على العكس فقد تراوحت أدوار هذه الدولة و رجالاتها بين التبعية الكاملة للأجنبي و بين التنسيق و التآمر مع الآخرين ضد مواطنيها و خصوصآ مواطنيها من القوميات الأخرى. لقد لعبت سياسات التحالف و التنسيق مع الدول الخارجية دورآ كبيرآ في تهديم ما تبقى من روح المواطنة و أحساس المواطن بأي نوع من المسؤولية تجاه البلد الذي يعيش فيه و خير مثال على هكذا نوع من التآمر هو ما تم في أتفاقية 1975 بين العراق و أيران بهدف أخماد الثورة الكوردية المسلحة بقيادة الزعيم الخالد مصطفى البارزاني,و قد لا أبالغ أذا قلت أن الكورد في العراق فقدوا ثقتهم تمامآ بالدولة العراقية بسبب تلك المؤامرة التي حيكت ضدهم بمساعدة شاه أيران. أن عملية التآمر بين الحاكم و دولة أجنبية ضد من يفترض أنهم تحت حماية الحاكم يعرض البلد لأكبر شرخ ممكن أن يحدث موديآ بكل التفاهمات و الحلول الداخلية و يقضي على مصداقية الحاكم .
تلك هي الأسباب (أو بعضها) التي تمنع أنطلاق العراق كدولة فيديراليةعلمآ أن الفيديرالية هي الحل الأخير للعراق قبل أن يبدأ مبضع التقسيم بتشكيل الخارطةالأصلية للعراق أي تلك الخارطة التي منعتها من الظهور معاهدة سيفر.
العراق ألى أين؟
الملاحظ أن العراق الآن يعيش ضعفآ لم يعهده من قبل فالأنظمة التي حكمت من قبل و أتسم أسلوبها بالدكتاتورية حافظت على شكل ظاهري يوحي بالطمأنينة لمن لا يعرف مايجري بالضبط خصوصآ تلك الوفود التي كانت تزور البلد بمناسبة و بغيرها. الآن و لأن الحاكم لم يعد بمقدوره أن يكون ديكتاتوريآفقد أنكشف كل شيء. أنت لا تستطيع أن تقنع الناس بأنك جيد أن لم تكن كذلك. في السابق نعم كان الكل من عامة الشعب ألى الشخصيات العاملة و غير العاملة مع الحاكم,كان الجميع لا يجروء على المناهضة خوف البطش.
أذن و بما أن الزمن و ظروف البلد قد تغيرت فأن على الحاكم(هنا أقصد كل من يتسلم مسؤولية تخص مصالح الناس أدارية كانت أم سياسية) الذي يريدنا أن نصفق له و ننتخبه بمليء أرادتنا و نتعاون معه ,أن يكون قادرآ على أعطاء المسؤولية المناطة به حقها. المسؤولية يجب أن تحترم و حقوق كل من يحمل الجنسية العراقية يجب أن تكون من الأولويات. بهذه الروحية يجب أن يعمل من تهمه وحدة البلد و قوته.المنصب أذا كان لكسب الوجاهة و السلطة فسيكون وبالآ على صاحبه لأن الناس لن يسكتوا بعد لا بل سيأتي اليوم الذي تنتشر فيه ثقافة محاسبة المسؤولين المهملين بقدر محاسبة المسؤولين الفاسدين.كل هذه التطورات ستحدث بالتأكيد و ما يجعلني متأكد من ذلك مسألة في غاية البديهية ألا و هي حتمية تطور الوعي الجمعي.
أن الوعي الجمعي أو الجماعي في المنطقة ككل و ليس في العراق وحده,قد شهد تطورآ سريعآ ساعد في أنضاجه في السنوات الأخيرة,التطورات السريعة التي حدثت في منطقتناو تساقط الأنظمة السياسية بتأثير شعبي و ليس عن طريق الأنقلابات العسكرية أبان مرحلة الخمول و السلبية التي عاشتها المنطقة أواخر القرن المنصرم. أذن فالشعوب بدأت تأخذ زمام المبادرة. أسمعوا أذن يا من تلح عليكم شهوتكم للحكم و السلطة, الأمر لم يعد بهذه البساطة و أن كنتم ذوو رشد فيجب أن تفكروا جيدآ و تحسبوا قدراتكم لأن المستقبل القريب يحمل الكثير من الأنباء السيئة للحكام غير المؤهلين و الذين تنقصهم موهبة القيادة. أعجب ممن لا تعجبه الفيدرالية متباكيآ على وحدة البلد و هو يمر كل يوم بشوارع بغداد المخجلة مقارنة بشوارع أقرب العواصم فلا ترف له جفن. طيب أنت أصلح أمور المدينة التي تعيش فيها و بعد ذلك تحدث عن المحافظات الأخرى أم أن محاربة أنظمة الأدارة الذاتية هي جزء من عملية تنمية و أنعاش منظومة الفساد و أستغلال المال العام من أجل الأثراء غير المشروع؟ أن أنظمة الأدارة الذاتية و الأقاليم هي تعتبر من أكثر الأساليب تطورآ في أدارة البلدان ذات المساحة المتوسطة و الكبيرة فهي تحقق أعلى نسب أنجاز في أقامة المشاريع و في أدارة الشؤون الخدمية و الصحية و ما ألى ذلك و الكثير من بلدان العالم المتطورة و القوية تعمل بنظام الأقاليم و الأدارة الذاتية و لا أحد يتحدث في تلك البلدان بسوء عن النظام الفيدرالي أو نظام الأقاليم, أما عندنا في العراق فأن من يدافع عن الفيدرالية يعتبر بنظر البعض أنفصاليآ.
أن مسألة الفيديرالية هي من المسآئل المهمة التي يجب أن تناقش على أكثر من صعيد في العراق و في ظل غياب دور منظمات المجتمع المدني في الظرف الراهن, فأن المسؤولية تقع على عاتق الأحزاب و التيارات السياسية و حسب ما لدينا من معلومات فأن معظم هؤلاء يؤيدون الفيدرالية و أنظمة الأدارة الذاتية و لكنهم يجاملون الطبقة الحاكمة التي ترفض هذا الموضوع و تعتبره خطرآ على مصالحها. أن الوقت يمر و الثروات تهدر و على الجميع تحمل المسؤولية و على كل من يهمه الأمر أن يسأل ضميره, ألى متى يظل بلد بحجم العراق في ذيل القائمة في حين أن الأمر مرهون بمحاربة الفساد و المفسدين أولآ و بأيجاد و تفعيل أنظمة أدارية أكثر مرونة يقوم على تنفيذها أناس مهنيون أكفاء لا يكتسبون شرعيتهم من هراوة السلطة بل من علم و كفاءة تمكنهم من تحمل الأعباء.
مقالات اخرى للكاتب