لهج الانسان بطبعه وفطرته على البحث عن المجهول والمخفي والغامض مما يحيط به من الأشياء المادية الملموسة والأشياء غير المرئية والمحسوسة، وهذا ما يقر به علماء النفس والإجتماع في طبيعة البشر. وهو بهذا يمارس رغبة دفينة في داخله قد يجد لها متنفسا في عثوره على مايشبعها. منها على سبيل المثال الشغف لمعرفة سيرة حياة الشخصيات المعروفة في المجتمع، التي لم يبح بها خلال مسيرة حياته العملية، ومعرفة مالديه من خبايا مامكنون من طبائع وهوايات وميول وعادات قد تكون لاتختلف عن باقي بني جنسه، إلا أنها تشد انتباه الناس من حوله.
ومادام هذا طبعنا نحن بنو آدم جميعا، فمن باب الإصول ان نحترم خصوصيات الغير ومايخفونه من أسرار، كي نضمن احترامهم خصوصياتنا وما نخفيه من أسرار مقابل ذلك، إذ كما قال الإمام الشافعي:
إذا شئت أن تحيا سـليما من الأذى
وحظـك موفـور وعرضـك صين
لسانـك لاتـذكـر بـه عورة امـرئ
فكلـك عورات وللنـاس ألســن
وعينـاك إن أبـدت اليـك معـايبــا
فصنها وقل ياعين للنـاس أعيـن
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى
و فارق ولكـن بالتي هي أحـسن
إلا ان مايدور اليوم في ساحة العراق السياسية ومايتداوله الساسة على طاولات مستديرة او دائرية او مستطيلة او أخرى لايجلس عليها غيرهم، لايتضمن أيا مما سبق من كلام، إذ يبادر اي مسؤول منهم حال كشفه اية مخفية او طبيعة خصوصية لدى زميله او خصمه او رفيق عمله في قيادة مفصل من مفاصل الدولة لاسيما الحساسة منها، إلا واستغلها في خطاباته وتصريحاته الرسمية وغير الرسمية، وقد لاتكون سلبية او مشينة او مسيئة لكننا نراه يلوح بها ويشير اليها بكل ما أوتي من جهد إعلامي غايته في ذلك التسقيط الشخصي والمهني والسياسي، وعادة مايكون التسقيط الأخير مبتغاه لتمرير غايات أخرى تعود عليه بمنافع ومآرب خاصة شخصية او فئوية او حزبية، مع مايرافقه من تطبيل وتهويل من جهات وُظـِّفت لهذا الأمر، متغافلا بهذا مايخفيه من خصوصيات وأسرار ربما هي أكثر سلبية منها. وأظن من يتابع أخبار الساعة وكل ساعة لما يدور ويحدث في أروقة المجالس التي يجتمع فيها ساستنا، يرى أن التشهير أول الأسلحة المرفوعة والتنكيل أول ردود الأفعال التي ينطلق منها ساستنا، وهذا قطعا علاوة على السباب والقذف واستخدام السلاح الأبيض، والأخير هذا صارت له سمعة وصيت ولاسيما الأسلحة الجلدية، حتى غدت أسعار الملبوسات والمداسات تضرب أطنابها بسبب استخدامها يوما في رشق هذا النائب او ذاك، وفي حقيقة الأمر هو أمر معيب جدا، فالبلد ينتظر بفارغ الصبر تسجيل إنجازات على أصعدة البلد كافة، وليس الوقت وقت منازلات ومنازعات يمارسها الساسة وكأن قاعات مجالس الدولة حلبات للمصارعة او الملاكمة، فالعجب كل العجب لساسة تركوا مامنوط بهم من واجبات على غارب الإهمال، وراحوا يجيدون صنائعهم في التنابز والتقاذف، وإظهار العيوب وكأن كل فرد منهم خالٍ منها، وكما قال شاعر:
ومن العجائب والعجائب جمة
أن يلهج الأعمى بعيب الأعور
او كما قال آخر:
ومن العجائب والعجائب جمة
ان تسـخر القرعاء بالفرعاء
فهلا يغطي كل منا عيوبه لاسيما ساستنا ويستر عيوب رفيقه و (الله الستار).
مقالات اخرى للكاتب