هم فوق القانون.. لا أحد يقف في وجوههم.. لا يتفاهمون .. لا يَسألون ولا يُسألون.. يمكن أن يهينوا أكبر شارب لسبب تافه أو حتى من دون سبب .. لا يمّيزون بين الكبير والصغير.. لا يراعون حرمة لامرأة أو لشيخ عجوز.. أمرهم بيد المالكي ولا يسمعون من غيره!
هذا بعض ما يتداوله الناس على نطاق واسع عن قوات "سوات"، وهذه هي الصورة المتشكلة في الأذهان لهذه القوات، وهي صورة تعززها تصرفات لهذه القوات تجري امام الأعين في الشوارع والساحات، فمواكبها تسير في الطرق العامة بصورة استفزازية للغاية، تُرغم السيارات على اخلاء الطرق لها مهما كلف الأمر وكيفما كانت الحال، حتى ليخيّل الينا احياناً انهم يريدون من سائقي السيارات المزدحمة أمامهم أن يطيروا في الهواء (لماذا لا يفعلونها هم؟)، وإذا تعذر ذلك فانهم لا يترددون في تسيير سياراتهم على الأرصفة والجزرات.. عناصرها يزعقون وهم يطلبون إفساح المجال لهم، وتنم حركات أيديهم وملامح وجوههم عن علامات عدوانية وتكبرية.
لكن، والحق يقال، ان قوات "سوات" لا تحتكر وحدها هذه الصورة المذمومة التي تسري على بقية قوى الجيش والشرطة بصورة من الصور. لقد أمّلنا أنفسنا منذ عشر سنوات بان يكون لدينا جيش جديد مختلف عن جيوش الأنظمة السابقة وشرطة وطنية لا تشبه شرطة تلك الأنظمة .. جيش وشرطة يُدركان انهما من الشعب ولأجل خدمته وليس في منزلة المتسلط عليه، ويعرفان ما تعنيه الديمقراطية وحقوق الانسان والكرامة الإنسانية.
مناسبة هذا الكلام الاعتداء المروع الذي ارتكبته قوة أمنية (معظم التصريحات ذكرت قوات سوات بالتحديد) في كربلاء وأدى الى الوفاة السريرية لمدرب نادي كربلاء الرياضي اللامع محمد عباس، واصابة العديد من زملائه، وأظن انه حادث لا سابقة له في تاريخ الرياضة العراقية.
المؤسف للغاية انه بينما ندد المسؤولون الاداريون والرياضيون في كربلاء باعتداء القوة الامنية المُشين سعى المتحدث باسم وزارة الداخلية الى التخفيف منه وتبريره، متمسكاً بـ"قدسية" اللباس العسكري الذي كان يرتديه افراد القوة الأمنية عند وقوع الحادث! هل اللباس العسكري مقدس بذاته؟ أم ان احترامه يتأتى من احترام لابسه لنفسه ولمهنته ولواجبه الاجتماعي والوطني؟
حادث كربلاء المشين يتعين أن يكون مناسبة للقيادة العامة للقوات المسلحة ووزارتي الداخلية والدفاع وقيادات قوى الأمن كافة لمراجعة وضع قواتهم لجهة التقيّد بقواعد وأخلاقيات العمل العسكري والأمني في ظل نظام ديمقراطي، والالتزام بحقوق الانسان.
لكن المشكلة الحقيقية توجد في هذه القيادات، فعناصر الجيش والشرطة والأمن لا ترى التزاماً من قياداتها بهذه الاخلاقيات والقواعد لتحتذي به، والشواهد على ذلك كثيرة، تمتد من تجربة قمع التظاهرات السلمية في العام 2011 الى ما جرى في ساحة الاعتصام في الحويجة هذا العام، ومابينهما من آلاف الحوادث الأصغر التي يمثل حادث الملعب في كربلاء ذروتها.
لن نقبل أبداً بان يكون الجيش والشرطة وبقية قوى الأمن أداة للقمع.. انه انتهاك صارخ لأحكام الدستور الملزمة للعسكريين كما المدنيون، وتعدٍّ سافر على حقوق الناس وتطلعاتهم لإقامة نظام ديمقراطي يضمن الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.
مقالات اخرى للكاتب