لم يبق للانتخابات العامة القادمة غير عام واحد تقريباً. وهذا يعني أن نوري المالكي يكون قد ترأس حكومتين الأولى في أيار/مايو من العام 2006 والثانية في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2010, وإن انتخابات 2014 يفترض أن تأتي بحكومة جديدة. وعلى أثر رفض القوى والأحزاب والمجتمع استمرار إبراهيم الجعفري في رئاسة حكومة جديدة, بسبب المآسي التي حصلت في فترة حكمه وتفاقم الطائفية السياسية والقتل على الهوية وممارسته الشخصية للتمييز الطائفي والظلامية في الموقف من النساء وإغراق الأمن الوطني ووزارة الداخلية بالمليشيات الشيعية المسلحة كجيش المهدي وبدر ومن لف لفهما, تسلم نوري المالكي رئاسة الحكومة الأولى, إذ كان نائباً لرئيس حزب الدعوة الإسلامية حينذاك واصبح اليوم رئيس هذا الحزب بعد أن ترك إبراهيم الجعفري المكان له وشكل منظمة هزيلة في وقت يترأس التحالف الوطني العراقي الشيعي الذي ساهم بتفكيكه.
وفي العام 2010 لم تحقق قائمة نوري المالكي "دولة القانون!" الأغلبية, بل كانت الأغلبية للقائمة العراقية. ولكن نوري المالكي أصر, وبخلاف كل التقاليد البرلمانية أن صاحب الأكثرية عليه أن يجرب حظه في تشكيل تحالف حكومي, وحين يفشل في ذلك تعطى للقائمة الفائزة الثانية حق تشكيل تحالف حكومي. لقد أصر على تسلم السلطة ثانية على وفق قوله في اجتماع لشيوخ العشائر رداً على أحد الحضور الذي خاطبه لازم ما تنطيها (ويقصد الحكم, ك. حبيب), فأجابه رئيس الوزراء: "هو يگدر يأخذها واحد, حتى ننطيها بعد!!!". أي اتخذ المالكي نفس الموقف الذي اتخذه أحد الصيادين في مواجهة زميله الصياد, إذ قال الأقوى منهما للأضعف: "تريد أرنب أخذ أرنب, تريد غزال أخذ أرنب", حصتك الأرنب في كل الأحوال. هنا يمكننا أن نتبين طبيعة الديمقراطية حين يتحدث نوري المالكي عن الديمقراطية بالعراق! وها هو العراق يعيش عواقب ديمقراطية المالكي, ديمقراطية حزب الدعوة الإسلامية!
ولكن ما هي حصيلة هذه السنوات السبع من حكم نوري المالكي؟ إنها سبع سنوات عجاف جداً ومريرة حقاً وحصادها خائب ومخيب لكل الآمال في بناء عراق يسوده الأمن والسلام والاستقرار والتفاهم بين مكونات شعبه القومية والدينية والفكرية, عراق تسوده التنمية واستثمار موارده المادية والبشرية لصالح المجتمع الذي عاني الأمرين قبل ذاك ويعاني اليوم الأمرين من فشل المالكي وحكومته في أداء الحد الأدنى من واجباتها. لقد كان وسيبقى جل اهتمامها زيادة إنتاج النفط الخام للحصول على مزيد من المال الذي ينهب بشتى الطرق ولا يوظف جدياً لصالح التنمية والشعب, بينما يستمر حرق الغاز المصاحب بحدود 40% أو أكثر حتى الآن.
ان من الأمور المعروفة عالمياً في تقييم أداء أي حكومة في أي بلد كان هو إمعان النظر في عدد من المسائل منها بشكل خاص: ما هي المنجزات التي حققتها الحكومة للشعب؟ وما هي حصيلة الأوضاع التي يمر بها الشعب قبل الانتخابات الجديدة؟ وما هو البرنامج الذي تتبناه ويراد تنفيذه لصالح الشعب وهو يقترب من انتخابات عامة جديدة؟
تشير المعطيات التي تحت تصرفي بالنسبة للأعوام السبعة المنصرمة إلى العواقب التالية التي حصدها العراق في ظل حكم المالكي:
** تفاقمت الخلافات والصراعات بين أطراف العملية السياسية المشاركة في الحكومة أو حتى مع من هو خارجها بسبب غياب التعامل الفكري والسياسي العقلاني لمعالجة المشكلات القائمة.
** تفاقم الصراع بين الأحزاب السياسية الشيعية منها والسنية, ثم نقلت هذه الخلافات والصراعات إلى فئات المجتمع في محاولة لئيمة ضد المجتمع بأسره بهدف تحقيق اصطفاف واستقطاب طائفيين في البلاد. وهذا ما تحقق حتى الآن.
** تفاقم الخلافات بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم إلى حدود التهديدات المتبادلة. وإذا كانت الحكومة الاتحادية هي المسؤول الأول عن ذلك, فإن رئاسة وحكومة الإقليم قد ساهمت بدورها في تشديد هذا الخلاف والصراع دون المساهمة الجادة في طرح الحلول المنشودة.
** تفاقم التناقض والصراع داخل التحالف الوطني العراقي الذي يترأسه إبراهيم الجعفري بين أطراف التحالف والذي يهدد بتفكك هذا التحالف الطائفي اليميني المتعصب الذي
** استخدام رئيس الوزراء بشكل متفاقم لأجهزة الأمن والشرطة والجيش وممارسة العنف في مقابل معالجة المشكلات القائمة سلمياً وديمقراطياً لمعالجة المشكلات. فالهاجس الأمني هو المهيمن على هاجس وفكر وممارسات رئيس الحكومة لا غير.
** وإذ تراجع القتل على الهوية والحد من نشاط المليشيات المسلحة للسنوات 2008 و2009, فأن الوضع قد عاد خلال السنوات الأربع الأخيرة ليرتفع ويتراوح المعدل اليومي لعدد القتلى بين 15-20 شهيداً, وأضعاف هذا العدد من الجرحى والمعوقين, إضافة إلى خسائر مادية كبيرة جداً على أيدي قوى الإرهاب الدموي والمليشيات المسلحة وعصابات الجريمة المنظمة وقوى حزب البعث المسلحة وقوى أخرى يشار إلى إنها تعود إلى القوى الحاكمة التي تمارس القتل بكواتم الصوت لمن تختاره من الضحايا.
** ورغم الاحتجاجات والمطالبة بالتصدي للفساد المالي والإداري, فأن نهب ثروات البلاد بطرق شتى, وخاصة أسلوب الفساد المالي وكذلك التفريط بأموال الدولة وأصبح العراق البلد الثاني أو الثالث بالعالم في كثافة الفساد وحجمه المالي وأساليبه وأدواته, فان سياسة نوري المالكي مستمرة في نهجها بدون رادع أو وازع من ضمير.
** رغم وجود خطة تنموية للفترة 2010-2014, فأن وزير التخطيط ذاته أشار إلى عدم تنفيذ الخطة الخدمية دع عنك الخطة الإنتاجية غير الموجودة أصلاً في تصور وفكر وحسابات الحكومة. فالعراق لا يعرف التنمية, بل يعرف إنتاج النفط الخام وتصديره وجني عوائده لا غير. وكل المؤشرات تؤكد بأن الخطة الجديدة 2014-2017 لن تنفذ هي الأخرى رغم الجهود الطيبة التي بذلها جهاز التخطيط في وضعها. وهي غير خالية من النواقص, وخاصة لا تتناغم مع واقع العراق الراهن.
** رغم الادعاء بتقلص الفقر بالعراق وكذلك البطالة المكشوفة والمقنعة, فإن هذه المؤشرات كلها مرتفعة حقاً لا تتناسب وموارد العراق المالية السنوية والتي تفوق كل التصورات. وتبرهن تظاهرات المتقاعدين الموقف السيء للحكومة من الذين خدموا العراق ولكنهم يعانون من شظف العيش في ظل دولة غنية توزع الأموال بغير حساب.
** فالبلاد لا تعرف الاستثمار في القطاع الصناعي التحويلي غير النفطي ولا في تقديم الدعم الضروري للقطاع الخاص ليمارس هذه المهمة. وذات الحالة تواجه القطاع الزراعي أيضاً أو قطاعات أخرى وخاصة قطاع الطاقة (الكهرباء). فليس هناك من تراكم رأسمالي في اقتصاد البلاد, والحكومة تسير على قاعدة أصرف ما في الجيب يأتيك من النفط الخام.
** وتراجعت خلال هذه الفترة الديمقراطية الشكلية, إذ لم تعد الحكومة ترى نفسها ملزمة بالالتزام بمبادئ حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية. ويتجلى هذا في الاعتقالات الكيدية وإبقاء المعتقلين فترات طويلة دون تحقيق أو محاكمة أو التدقيق في الضحايا المكدسين بأعداد كبيرة في السجون العراقية. كما يمارس التعذيب على نطاق واسع يذكر الناس بأيام البعث البغيضة.
** وهيمنت الحكومة حتى الآن وبشكل قسري وبالضد من الدستور العراقي والتقاليد الدولية, على الهيئات المستقلة المرتبطة تشريعاً بمجلس النواب, كما في حالات كثيرة, مثل البنك المركزي العراقي والمفوضية المستقلة للانتخابات.
** ولم تحسم الحكومة القوانين الضرورية التي كان يفترض أن تنجز قبل سنوات كقانون الأحزاب وقانون انتخابات عامة ديمقراطي حديث ...الخ.
** ويصعب الحديث عن حالة التعليم ودور التعليم الابتدائي والثانوي بشكل خاص, إضافة إلى تدهور مستوى التعليم وطبيعة المناهج التي يجري تدريسها والبعيدة عن الديمقراطية والتي تغوص في الطائفية السياسية اللعينة. ويمكن الحديث عن حالات سيئة في المجال الصحي والمستشفيات العراقية وما تعاني منه من نواقص وقصور.
** تدَّعي الحكومة إنها تشجع عودة الكفاءات إلى العراق ولكن كل السبل مسدودة في واقع الحال بوجه العائدين الذين ينصحونهم بالعودة إلى الخارج والبقاء فيه, إذ توضع شتى العراقيل في طريق عودتهم وعملهم أو إنجاز معاملات إعادة توظيفهم وتقاعدهم ... الخ. يضاف إلى ذلك الجو الطائفي السائد الذي يعرقل كل شيء, إذ يعتمد على وضع كل وزارة وموقعها من هذه الطائفة أو تلك مذهبياً ومن هو الوزير سني أم شيعي على نحو خاص.
** ويجري الحديث اليوم عن مشكلة جديدة هي محاولة الحكومة ليس اقتناء السلاح من الخارج حسب, بل وإعادة بناء صناعة عسكرية بالبلاد. وهو الطريق الخطر الذي يراد به العودة إلى العسكرة, خاصة وأن هناك أكثر من مليون إنسان يعمل في القوات المسلحة العراقية وهي ذات الحالة التي وصل إليها النظام البعثي الدموي. إنه الخطر الجديد الذي ينتظر نوري المالكي تنفيذه بعد صدور قرار بإخراج العراق من الفصل السابع. إنها المشكلة الجديدة التي ستواجه البلاد والتي ستزيد من شهية الحاكم بأمره في التوجه صوب الحلول العسكرية بدلاً من الحلول السلمية للمشكلات القائمة.
إن المشكلة الأساسية التي يعاني منها العراق هو النهج الذي يمارسه نوري المالكي ومن معه والمستند إلى قاعدة "الغاية تبرر الواسطة". ويمكن إيراد عشرات الأمثلة في هذا الصدد ولكن نكتفي بنموذج واحد مهم جداً:
بهدف وصول نوري المالكي إلى احتياطي البنك المركزي العراقي من العملات الصعبة والتصرف غير القانوني به, وبسبب رفض محافظ البنك المركزي, استناداً إلى الدستور وقانو ن البتك المركزي الاستجابة لهذه الرغبة, قرر رئيس الوزراء اعتقال المحافظ, الذي كان في سفرة رسمية إلى خارج العراق ولم يعد, واعتقال نائبه الدكتور مظهر محمد صالح, وهو شخصية اقتصادية عراقية كبيرة, ومجموعة من كبار موظفات وموظفي البنك, وعين شخصاً كمحافظ للبنك المركزي وكالة لا يجوز تعيينه بسبب كون السيد عبد الباسط تركي سعيدو رئيس ديوان الرقابة المالية الاتحادي, إضافة إلى إن هذه الإجراءات غير الدستورية تسببت في تدهور سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار واليورو والباون الإسترليني.. الخ. ولم يكتف نوري المالكي بهذا بل قرر تقديمهم إلى المحاكمة ليقول للآخرين: الويل لكل من يختلف معي في الرأي! وهذا الإجراء يعتبر دوساً صريحا من أعلى شخص في السلطة التنفيذية على دستور البلاد في وقت يفرض عليه واجبه احترام بنود الدستور وقانون البنك المركزي
هذا جزء من حصاد حكومة نوري المالكي بعد سبع سنوات من عمرها غير المجيد, فماذا ننتظر إن واصلت الحكم لسنوات أخرى؟ إنها الكارثة بعينها ما لم يتدارك الشعب هذه المحنة ويزيحها عن كاهله.
مقالات اخرى للكاتب