قبل يوم واحد فقط من دخول الامريكان الى العراق، قال لي صديقي: هل تعلم، لقد كنت أحلم منذ وقت طويل بان أزور امريكا في يوم ما، الان توقف حلمي فلن أذهب الى اكريكا، لأن امريكا ستأتي الينا غداً.كان يحلم أن يرى بلداً متنوراً ومتقدماً في النواحي كافة العلمية والتقنية والطبية والاسكانية والتربوية وسواها وها هو الآن يلغي حلمه الذي رافقه لسنوات عديدة لآن أمريكا بعلو شانها وببركاتها سوف تأتي اليه في عقر داره حيث ستجعل من البصرة كاليفورنيا ومن الرمادي لاس فيغاس ومن المشخاب هوليود ومن تلعفر ميامي! الذي كان يقوده الى هذا الاعتقاد، كما أرى، هو رؤيته للحملة الفرنسية على مصر، فلقد جلب نابليون بونابرت الى مصر معه ولأول مرة المطابع التي قامت بطبع الكتب والمؤلفات مع مجموعة كبيرة من الباحثين في علوم الفيزياء والفلك وألآثار والفرعونيات والطب والهندسة فقالت له نفسه، سوف يجلب الامريكان معهم كل مسائل التقنية ووسائل العمران وتخطيط المدن الحديثة وسوف تصبح بغداد عاصمة للشرق الاوسط والادنى، وسيتم بناء عشرات المستشفيات فيها وعشرات الجامعات وعشرات المستشفيات فيها وعشرات الجامعات وعشرات الجسور وسوف يحفرون الارض لكي يتبختر المترو في أنفاقها، وسوف تزداد الطرقات بالانوار المتلالئة ولن نجد بعد الان وحلاً في الشوارع وكلاباً سائبة تخيف الاطفال، وطفحاً في المجاري وأرصفة مهدّمة وستزول من دوائرنا الرشوة والمحسوبية والمنسوبية، وسوف يحسدنا المصريون لأن الامريكان سيتفوقون على نابليون بونابرت.
غير أن كل هذه التوقعات اصبحت رماداً، وكل هذه الامنيات تطايرت مع الراشق والدخان واصوات القنابل والصواريخ وأزيز المدرعات والمجنزرات، وكل ما تلا ذلك من مصائب ومصاعب وويلات وثبور حتى ان صديقي هذا لم يمهله العمر طويلاً، فلقد مات من القهر!
مقالات اخرى للكاتب