يحكى أن سمكة صغيرة من أسماك السلمون كانت تعمل بهمة عالية، وتواصل حركتها الدؤوبة في رحلاتها المكوكية بين البحر وأرصفة المرافئ البعيدة. تخوض غمار الأعماق السحيقة بسعادة غامرة من دون توقف في النهار، ومن دون أن يغمض لها جفن في الليل، وتجد متعة كبيرة في ممارسة هوايتها المُحببة على الرغم من أهوال البحر وتقلباته الصاخبة، وعلى الرغم من كل المخاطر، التي تواجهها من وقت لآخر.
ولما رآها القرش الأزرق تعمل بهذه البراعة وبهذا النشاط. قال لنفسه: إذا كانت هذه السمكة تواصل عملها بمرونة تامة من دون أن يوجهها أحد، ومن دون أن يشرف عليها مراقب، فكيف سيكون إنتاجها لو وضعناها ضمن خطتنا التشغيلية، وحددنا لها مساراتها في الذهاب والإياب ؟، وهكذا قام بتعيين سمكة باهتة اللون من أسماك (الجرِّي) لتنفيذ واجبات الإشراف العام على أداء سمكة السلمون، فوضعت سمكة (الجِرِّي) نظاماً للحضور والانصراف، ودأبت على كتابة التقارير اليومية والأسبوعية.
ابتهج القرش بتقارير سمكة (الجرِّي)، فطلب منها تحسين تقاريرها بإدراج الرسوم البيانية، وتحليل المعطيات، تمهيداً لعرضها في الاجتماع القادم لمجلس إدارة الأسماك النهرية والبحرية. تذمرت سمكة (السلمون) من تراكم التعقيدات الإدارية المحبطة، وحزنت حزناً شديداً على ضياع وقتها ومجهودها، ولما شعر القرش بوجود مشكلة في أداءها. قرر تغيير خطة العمل، فأوصى بتكليف السلحفاة بتقييم الأداء، ومراقبة التباطؤ في قفزات سمكة السلمون، التي فقدت رشاقتها تدريجيا تحت وطأة هذه الظروف التعجيزية المزعجة.
قررت السلحفاة بناء أبراج ساحلية شاهقة، وشراء قوارب مصفحة، وزورق مدرعة، وأمرت بتعيين أفواج من القواقع والسلاحف والتماسيح المتهورة، ثم جمعت هذه الكائنات المتنافرة مع بعضها البعض، واشركتها بمهمات الحماية والمراقبة والمحاسبة.
اكتشف القرش بعد أعوام إن تكلفة التشغيل تجاوزت الحدود المتفق عليها، بل تجاوزت الميزانية المقررة، ففكر بحرمان سمكة (السلمون) من مخصصاتها الملاحية، وذلك من أجل تقليص النفقات، ثم أمر بتعيين الضفدع الأخضر مستشاراً مالياً له.
جمع الضفدع ملفات الأضرار المالية، واعتكف مدة طويلة أمضاها في دراسة الأوراق المتكدسة فوق بعضها البعض، فاكتشف في نهاية المطاف إن الترهل الوظيفي، وغياب التوصيف النوعي يعزا إلى عفوية سمكة السلمون وبراءتها، فقرر القرش استبعادها وطردها من محيطها المائي، وربما سيقرر الاستغناء عنها نهائياً حتى تلقى حتفها في ثلاجات الأسماك المجمدة، أو في علبة من معلبات التصنيع المحلي.
مقالات اخرى للكاتب