فكرة تشكيل الحرس الوطني من المواطنين للدفاع عن مدنهم التي يهددها الارهاب مقبولة من جميع الوجوه، وهي الى ذلك، تجربة عرفتها دول وشعوب كثيرة وتقوم على اساس إشراك سكان المدن في مقاومة الغزاة والعصابات الاجرامية، جنبا الى جنب مع الجيوش الحكومية، وتؤكد تلك التجارب ان جماعات المقاومة الذاتية الاهلية ساعدت على تقليل الخسائر البشرية وحماية الثروة والمال العام ومصالح الناس، عدا عن انها اسهمت في بناء وحدة ارادة السكان وتوطيد العلاقات بين انتماءاتهم المختلفة.
ومنذ اعلان مجلس الوزراء بجلسته الاولى في التاسع من ايلول الماضي عن قرار اعداد مشروع قوات الحرس الوطني، ثم اعلان مسودته بعد ايام من ذلك، والجدل مستمر بين الكتل السياسية ووسائلها الاعلامية، فضلا عن اصحاب الراي والمعلقين الصحفيين، وظهر للكثير من المراقبين بان شقة الخلاف بين المتحمسين للقانون والمعارضين له شاسعة، ومعقدة، ما يطرح احتمال طيّ المشروع، أو في الاقل، ارجاء تشريعه الى حين، على الرغم من ان التوقيتات التشريعية تلزم عرض المشروع على البرلمان وقراءته والاستماع الى ملاحظات النواب حوله.. وهذا ما سيحصل، كما يبدو.
وكما في كل جدل حول شأن من الشؤون السياسية، أو التشريعية، فان الخلفيات الطائفية تضغط على فرص التوافق وانصاف الحلول، وتدفع المشهد، والأخذ والرد، الى دوامة يلعب في ساحتها الكثير من أُجراء التهريج والاثارة والشكوك، وسرعان ما يصبح من المستحيل الإنتهاء الى اتفاق يختصر في الوقت والجهود، وكأن ثمة ارادة لتعطيل عمليات البناء وتزييت ماكنة الدولة، وتحسين اداء المواجهة مع قوى الارهاب والتخريب.
لكن ثمة على طاولة الخلافات اشارات جدية الى ضرورة اعادة بناء النصوص القانونية للمشروع، وبخاصة ما له صلة باعطاء الاولوية لمنتسبي الجيش السابق، استثناء من الضوابط الدستورية، وتلك التي ترسخ الاعتبارات الطائفية وبخاصة في المناطق المختلطة (بغداد. ديالى) وإعطاء الحرس الوطني صلاحيات تتعارض مع صلاحيات القوات العسكرية والامنية الاتحادية، ونسب التمثيل في المناطق المتنازع عليها، والتعامل مع الميليشيات والتشكيلات العسكرية من غير القوات الرسمية.
الى ذلك، يثير القانون مخاوف لها ما يبررها حيال الانزلاق الى عسكرة المجتمع، ونشر السلاح في المدن والاحياء على خلفيات ضعف الانضباط والحساسيات الطائفية وثقافة استعراض القوة، وكل ذلك قد يحوّل المشروع من حل الى مشكلة.. وياما تحولت حلول الى مشاكل.
"أشد الأسى أن ندرك أننا السبب الوحيد في كل المحن التي تواجهنا".
سوفوكليس- اديب اغريقي
مقالات اخرى للكاتب