وأخيراً.. انتهى مشوار لاعبينا وحجزوا تذكرة العودة الى بغداد من دون الكأس، فلم يعد بالإمكان المواصلة الى المباراة النهائية وخسروا بثنائية كورية مستحقة كشفت واقعيتهم في محك القمّة الآسيوية "كما يفترض" حيث ذوت شموع التفاؤل حتى شعرنا ان الهالة المعنوية التي احاطت بالمنتخب من البعثة نفسها صوّرت لنا حالة أخرى غير التي شاهدناها في ملعب (استراليا) بمدينة سيدني، إذ لم نكن صريحين بمعالجة مقوّمات التحضير الاستثنائي لمثل هكذا مباراة في الدور نصف النهائي التي تتطلب استقتالاً كبيراً واستئثاراً واثقاً بالكرة وتواجداً مستمراً في ساحة الكوريين لتهديد مرماهم وليس اللهاث وراء كراتهم التي تبادلوها بأريحية !
وهنا لا نشأ أن ننكّىء الجرح الغائر الذي تعيشه الكرة العراقية وكنا ندفع باتجاه دعم المنتخب الوطني الذي رافقته منغصات كثيرة لم تجد من يواجهها بموضوعية بعيداً عن المشاعر الوطنية التي حوّل البعض تأثيرها الى سيوف لا يتورعون من توجيه نصالها الى رقاب المتصدين لسلبيات الاتحاد أو المنتخب أو النجوم الكبار لاسيما أن أولى الاسباب التي اسهمت بهزيمتنا امام كوريا الجنوبية أمس هو الاطمئنان القاتل الذي اشترك فيه اعضاء الاتحاد والمدرب شنيشل وبعض المحللين بخصوص رفع الأعباء عن لاعبي المنتخب لأنهم " أدّوا ما عليهم ووصولهم الى الدور نصف النهائي هو المُنجز الكبير " ، ونحن نتفق معهم كلياً ولا غبار على ذلك ولكن متى نرفع القبعات للأسود ليخلدوا الى الراحة؟ عند انتهاء المهمة الاخيرة في معركة الاصرار على المنافسة حتى الرمق الاخير ، وكوريا الجنوبية لم تواجه منتخباً بهذا الوصف، بل كسبت النتيجة بمجهود طبيعي واختراقات سهلة في العمق وضربت دفاعنا من دون تكليف حتى تمكنت من هزّ معنويات الحارس جلال بلمسات سريعة وجرّبت التسديد الى الزوايا التي ترغب من دون ممانعة عراقية.
حقاً كانت الاجواء ملائمة لأسلوب اللعب الكوري تحت الامطار وهذا ما كنا نخشاه عشية المباراة فكثيراً من اللقاءات السابقة التي تميل كفتها لصالح كرتنا لم ينجُ الكوريون من الهزيمة إلا على ملاعب مبتلة لتمرس لاعبيها المحترفين وتكيّفهم للعب على ارض شكلت عبئاً ثقيلاً على حركة كثير من لاعبي منتخبنا ، تلك حقيقة جوهرية لا يمكن إغفالها ولا يمكن اعتماداً في الوقت نفسه مبرراً للخسارة ، فضلاً عن تشتت منتخبنا الى نصفين غابت عنهما روح المثابرة والانسجام والتمركز الصحيح ما أوجد مساحات فارغة تغلغل منها جناحا كوريا لصناعة الكرات الجانبية وتهديد مرمى جلال ثم العودة الى التنظيم الدفاعي بسرعة ، وهي منظومة متكاملة لم يُحسن منتخبنا تطبيقها بفاعلية ما أضعفت العمود الفقري للمنتخب أحمد ابراهيم وسعد عبدالامير ويونس محمود الذي نجح المدرب الالماني أولي شتيلكه في تجزئته عبر تعزيز التكتل في الوسط ومحاولة مشاغلة الاسود على خطي التماس طوال شوطي المباراة لمنع استعادتهم التنظيم الهجومي وقتل الوقت ايجابياً عبر تدوير الكرات بدقة وإبقاء الضغط في ملعبنا وهما اسلوبان يتطلبان الاقتصاد بالجهد وتوزيعه خلال الدقائق التسعين باحترافية عالية حتى ان المنافس الصديق كان يستعرض بالكرة في الوقت الاضافي وكأنه يجري الإحماء لشوطين آخرين !
لا يسعنا إلا القول : حظ أوفر للأسود في لقاء تحديد المركزين الثالث والرابع مع ان الفرصة كانت سانحة لطرق باب التاريخ بلقب ثانٍ من الصعب تكراره إلا عبر تحضير جدي وملاك تدريبي مستقر يأخذ على عاتقه إتمام المهمة من جميع الجوانب ولا يفكر بسمعته فقط.
وبالمناسبة لا نجد في تصريح عضو الاتحاد محمد جواد الصائغ لـ(المدى) إن شنيشل سيبقى مع الأسود الى نهاية تصفيات كأس العالم 2018 أية مثلبة أو نكراناً لجميل نادي قطر ومدعاة لخروج شنيشل عن صمته بأنه لن يقابل مبادرة الاشقاء بالإساءة ويتنصل من وعوده بالعودة الى النادي حال انتهاء المشاركة الآسيوية، بل العكس كان دافع الصائغ الوطني بمثابة مناشدة مخلصة لمن يعنيهم الأمر بضرورة الاستفادة من الكفاءات لإنقاذ منتخبنا من حالة النكوص التي مرّ بها وجاءت شهادته بشنيشل موضع فخر وتشريف لهذا المدرب مطالباً إياه استئناف المهمة مع بلده في اهم مشاركة عالمية ومن المؤكد انه (الصائغ) يدرك اللوائح والشروط وما يستوجب تسويته مع نادي قطر قبيل تفرّغ المدرب مع الأسود ، لهذا نضم صوتنا مع خبرة وحكمة ووفاء الصائغ في انضاج الفكرة قانونياً وتهيئة جميع مستلزمات التفاوض المشروع لاسيما أن مسؤولي نادي قطر لن يألوا جهداً في مساندة الكرة العراقية في أحلك ظرف تمرّ به في اعقاب دورة الخليج 22 وعَجالة الإعداد لأمم آسيا وهم يحسنون الظن بهكذا خطوة وطنية تدعيم استقرار منتخبنا.
مقالات اخرى للكاتب