عندما اقتربنا من الحدود العراقية بالحافلات الإيرانية، كانت الساعة تقترب من التاسعة من مساء يوم الأربعاء 23/1/2002، وشاهدنا عن بعد حشود العراقيين الذين جاءوا لاستقبال العائدين من أسرى يعرفونهم أو لا يعرفونهم، وقد تحشّدت الجماهير على جانبي الطريق بل سدّت الطريق عن آخره غير مبالية بهطول المطر الغزير، تواصينا وبرجاء حار. وكما أوصانا العاملون في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أسرعوا أثناء الانتقال من الأرض الإيرانية إلى الأرض العراقية، وقف جنديان، إيراني عند آخر نقطة إيرانية، وإلى جانبه جندي عراقي عند أول نقطة عراقية، ويتم التسليم باليد واحداً واحداً، كم تزاحمت الأفكار في الرؤوس، كم تعددت الصور أمام العين، ولكنّ الحقيقة كانت أكبر من كل خيال، وأجمل من كل الأحلام، حينما سلمني الجندي الإيراني للجندي العراقي، توقفت عن الحركة من دون إرادة مني ولكن وعيي المختزن في أعماق عقلي وضميري هو الذي يقودني إلى ما أقدمت عليه، إذ هل أتوقف عن المضي إلى أرض الوطن؟ وهل يمكن أن يحصل مثل هذا لرجل مثلي؟ تداعت الأفكار الواحدة تلو الأخرى، وتبين أنني لم أنتبه إلى زملائي المتلهفين مثلي للوثوب إلى أرض العراق كانوا ينادون عليّ تقدم يا نزار، ولما لم أعرهم انتباها هاج بحر الأسرى وماج غضبهم بالصياح تقدم يا نزار وربما ترافق مع بعض العبارات النابية، ولكنّني تسمرت في مكاني وبهدوء وبآلية قفزت إلى رأسي عند تلك اللحظة الحاسمة، بدأت أفتح خيط حذائي الإيراني الذي كانت إدارة المعسكر قد سلمته لي قبل بضعة أيام، ونزعته عن رجلي كليهما، ووسط صياح متعال، عبرت الحدود حافيا، بعد أنْ قدمت قدمي اليمنى على خلاف المشية العسكرية، لأنّ أبي رحمه الله أوصاني بأنْ أقدم رجلي اليمنى حينما أدخل مكانا طاهرا من آخر بلا طهارة، ولأنّ الحذاء كان إيرانيا فقد وجدت من المستحيل أنْ أدخل أرض العراق الطاهرة بحذاء إيراني. أُسرت يوم الأربعاء 24 آذار / مارس 1982 وعدت بعد 238 شهرا إلى العراق يوم الأربعاء 23/1/2002، وعادت الروح والحياة إلى شراييني، حسبت عند اللحظة التي وضعت قدمي فوق أرض العراق، كأن الأرض قد توقفت عن الدوران حول نفسها أو حول الشمس، كانت فرحتي وفرحة أهلي عظيمة ولا توصف وذلك ما يجعل جرحاً كبيراً يندمل ولكن مسيرة الأيام تمضي بنا من دون أن تفرق بين يوم وآخر.
مقالات اخرى للكاتب