ينظر بعض المشتغلين في قطاع الفكر الى امكانية تشكل حركة جديدة لليسار العراقي ، تنهض أثر اجتماع الحراك المدني العراقي مع ماتتطلع اليه شخصيات اسلامية مستنيرة ، تشتغل لانتاج دولة مدنية ...!برأيي استيلاد اليسار على هذا النحو لايشكل ضربا ً من الوهم الوقائعي وحسب، بل تشبه الى حد ما استنبات الديمقراطية في العراق على الطريقة الأمريكية، وما انتجته من خراب اجتماعي كارثي وفساد تاريخي طال الجوانب الأدارية والمالية والأخلاقية ايضا ً. تشير جملة الاحداث والوقائع في الدولة العراقية الحديثة (1921- 2016) عبر أدوارها المتعددة، لظاهرة انحسار مفهوم وافكار اليسار في اتجاهين،الأتجاه القومي الأشتراكي (حزب البعث،الحركة القومية )، واليسار الماركسي(الحزب الشيوعي والحركات المتناصة معه)،هذان الأتجاهان هما من يسيطرا على حركة الجماهير السياسية ونضالاتها وبرامج احزابها، وهما لم يتآصرا أو ينسجما في برنامج وطني مع أي حزب أو حركة اسلامية، ولم يلتقيا سوى عبر قناطر الخصام والصراعات الدموية والتكفير والعداء المتبادل . ولم تتوقف الطبيعة الصراعية بين اليساري والإسلامي في مضمار السباق نحو السلطة فقط،بل تمتد الأسباب الى الجذور التكوينية العقائدية لكل من هذين الأتجاهين المتقاطين، في ظل غياب تام لثقافة المواطنة التي يمكن لها ان تكون وسيط وطني، كما في المجتمعات الحضارية ذات الثقافة السياسية المتحررة من نوازع القبيلة أوالعشيرة .ثلاثة عشر سنة (2003- 2016) من تعثر التجربة السياسية العراقية وفسادها واخطائها، لم تبادر الأحزاب والتيارات الاسلاموية الحاكمة والنافذة الى طرح معالجات لحل الأزمات أو تقديم رؤى وبرامج للخلاص، أو مشروع عمل وطني ، بل فشلت حتى في تحقيق خطوات عملية في برنامج مصالحة سياسية وتشكيل موقف وطني موحد مع بعضها الاسلامي، بل كانت تصمت وتغض الطرف عن فساد غير مسبوق وخراب يتنامي باساليب فجائعية، ماجعلها تقف في صدارة قوائم الأتهام بالفساد والملاحقة القضائية الخجولة . اما الحراك المدني الذي صار يتنفس بصعوبة بالغة وسط تهديدات واقع متزمت ،وحساسية تلخص موقف حكومي سياسي منافق ، وامتعاض متشدد من بعض رجال الدين واصحاب المصالح وحيتان الفساد والمؤسسة الأمنية ، فهو يقدم كل اسبوع تصريح وافي عن تخلف وادانة الوعي الشعبي ، حين تخرج بضعة مئات من عاصمة يزيد سكانها على سبعة ملايين أنسان ....! ربما يذهب البعض الى اعتبار موقف السيد مقتدى الصدر من الفساد والتغيير الحكومي وتواجده في ساحة الاحتجاج ، بوابة لمشروع تمازج وطني مع القوى المدنية لأنتاج يسار عراقي جديد ، لكن ماهو اساس ان هذا المشروع لايملك قواعد ومقتربات سياسية أو فكرية ثابتة وراسخة ، انما هي لحظة سياسية قابلة للتبدل وفق تحولات المشهد السياسي ومصالح التيار الصدري نفسه، والحقيقة الأخرى ان سيد مقتدى الصدر يعبرعن موقفه الشخصي، والحشود الغفيرة جاءت طائعة لموقف السيد الصدر تحديدا وليس لشيء آخر . قرائتنا تستدعي مزيدا من افكار تفكك الاشكالية العلاقية بين المدني والاسلامي ، وتتطلع بجدية للبحث الأنقاذي من قبل المفكرين والسياسيين المشتغلين بالقضية العراقية .
مقالات اخرى للكاتب