يمر العراق مثل أي دولة بأزمة مالية وسياسية صعبة جداً, ونظام الحكم فيها على وشك الانهيار تماما ,ونجد ان القادة في المناصب العليا للدولة كل من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية هم المسؤولون الأول والاخير عن ما يجري من سوء ادارة الحكم في البلاد . ونتيجة لذلك تصرفت الحكومة الحالية بإصدار حزمة اصلاحات شاملة للجهاز السياسي والاداري والاقتصادي مستندة في ذلك إلى المادة (78) من دستور جمهورية العراق فأن ((رئيس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن رسم السياسة العامة للدولة والقائد العام للقوات المسلحة , ويقوم بإدارة مجلس الوزراء, ويتراس اجتماعاته, وله حق اقالة الوزراء , بموافقة مجلس النواب)) , ومن تلك الاصلاحات ترشيق الوزارات وإلغاء أربع منها والغاء مناصب نوابه ونواب رئيس الجمهورية, كما قرر إلغاء المناصب الوزارية للوزارات الآتية: وزارة حقوق الإنسان، وزارة الدولة لشؤون المرأة، وزارة الدولة لشؤون المحافظات وشؤون مجلس النواب، وزارة الدولة، فضلا عن قرار إعادة هيكلة الوزارات الآتية: دمج وزارة العلوم والتكنولوجيا بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ودمج وزارة البيئة بوزارة الصحة، ودمج وزارة البلديات بوزارة الإعمار والإسكان، ودمج وزارة السياحة والآثار بوزارة الثقافة. وحل المشكلة لا تكمن بتغيير الوزراء انفسهم ودمج الوزارات الذي يحتاج الى قوانين جديدة تنظم ذلك مع العلم اننا في وقت لا يسمح ان نشرع قوانين وأنما بحاجة الى حلول سريعة وجذرية , لذا لا بد في بادئ الامر تعيين المسبب وتقديم العلاج فالمشكلة موزعة على عدة فروع تبداً من الوزير ومن ثم منفذي قراراته وتعليماته وبالأخير القوانين والتشريعات التي شرعت في ظل الانظمة السابقة . فضلا عن ذلك السؤال الذي يطرح هنا هل الاصلاحات ستعيد الوضع على ما هو عليه قبل الازمة المالية والإدارية والسياسية ؟ولمن الاولوية هل للأمن ام للاقتصاد أم للصحة ؟ وكيف نضمن أنها ستنجح ؟ وهل هي معالجة أم وقف الازمة لفترة ؟ وبعض الوزراء روؤساء كتل هل يستطيع الدكتور حيدر العبادي استبدالهم؟ ان المتمعن في الاصلاحات لا يمكنه أن يلتمس بعداً مستقبليا لها , وان معالجة الازمة مؤقتاً لا يعني تحسين الوضع وانما تدهوره ومن هنا يعتقد الكثيرون من المهتمين بالوضع العراقي ان الاصلاحات لن تغير الوضع بالمجمل وأن نجحت بعضها فأن نجاحها لا يكون الا لفترة قصيرة الامد , وذات طابع نفسي أكثر من كونه عمليا تهدف الى تقديم دعم معنوي كبير لإعادة الثقة للناس بالحكومة .ومهما قيل في تبرير الازمة وانعكاساتها فان تأثيرها كان ولا زال وضاحاً بشكل كبير على الوضع المالي والمعاشي للمواطن العراقي , إذ يجب ان ننظر الى ابعاد الازمة ومسبباتها الرئيسية التي تكمن في :-
اولا-حرب داعش على العراق وما احدثه من المتغيرات على الساحة السياسية والاقتصادية والعسكرية ثانيا- سوء الادارة والفساد الاداري والمالي.
ثالثا -الكساد الاقتصادي والبطالة في سوق العمل .
رابعا- أتباع مبدأ المحاصصة في تشكيل الحكومة إذ نلاحظ كل الحكومات التي شكلت من مجلس النواب هي حكومات محاصصة حزبية ومذهبية وعرقية بحيث أصبح لكل كتلة نيابية حصة فيها، مما اثر سلبا على دور البرلمان في الرقابة على ادائها وبالتالي ادى الى افلاتها من المحاسبة، هذا الى جانب غياب المعارضة البرلمانية إذ كل كتلة في البرلمان تدافع عن وزرائها مهما أخطأ وتبرر له ذلك , فلو تم محاسبة وزيراً واحداً وفق القانون ونال جزاءه لأصبح عبرة لغيره ولم نصل الى ما نحن عليه الان, وبرأيي هذا السبب الرئيسي والاقوى الذي جعل من رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي من عدم أقاله وزرائه الفاسدين وعدم تحديد من هم المشمولين بحزمة اصلاحاته الشاملة لأنه على علم مسبقاً انه سيلاقي رفضاً في قراره ولم يطبق لان كل حزب متمسك بوزيره . لهذا لم نلتمس أي اصلاح جدي على ارض الواقع ؟
خامسا- ضعف التوازن والتعاون بين السلطات الثلاث , فمثلاً السلطة التشريعية وبموجب المادة (61) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 لها حق سحب الثقة من الحكومة متى ما اخلت بتنفيذ برنامجها الحكومي , بالمقابل لم نجد مثل تلك الوسيلة بيد التنفيذية . فمثلاً اليوم يرجع السبب في عدم استطاعة الحكومة حل البرلمان العراقي الذي شابه الفساد بأنواعه غالبية اعضائه وكلف العراق ملايين الدولارات ولم يعد يمثل صوت الشعب إلى ان الالية الدستورية لحل الحكومة البرلمان يكون بناء على طلب اغلبية اعضائه , أو بطلب من رئيس مجلس الوزراء بعد موافقة مجلس الرئاسة وقيدت ذلك بتصويت مجلس النواب , بالاغلبية المطلقة المادة(64/ اولاً) , ولم يعطِ حل مجلس النواب لأي جهة اخرى , فكيف يصوت المجلس على حله ؟. كم أغفل المشرع الدستوري ان يدرجهم ضمن المادة (93/ (6 بان يكون حق الفصل في الاتهامات الموجه لرئيس مجلس النواب واعضائه بحالة تجاوزهم الدستور والقانون لمحكمة الاتحادية العليا كونها مؤسسة حكومية مستقلة وفي هذه نضمن مراقبتهم .كل هذا وغيره ادى بطبيعة الحال الى افلاس خزينة الدولة والاستغناء عن الالاف الموظفــــــين والعاملين في العديد من الوزارات وايقاف التعــــينات في معظـــــــــــــم الوزارات لســـــــــنة 2016 .
وبرأيي لطالما شاب اصلاحات رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي الغموض والضبابية وعدم معرفة المعيار الذي ستتبعه اللجنة وكذلك مجهولية اعضائها, لذا يجب لتسنم منصب الوزير والمناصب القيادية في الدولة وبعيداً عن المحاصصة لأن العراق في ظروف عصيبة أن يكون :-
اولا – من ذوي حملة الشهادات الاكاديمية الحقيقية واقصد بالحقيقية ان لا تكون مزورة تم الحصول عليها بطريق التزوير، وأن يمتلك خبرة في مجال تخصصه فمثلاً لتسنم وزارة المالية يجب ان يكون متخصصا في الاقتصاد وذو كفاءة ومهنية ونزيه ويمتلك خطة شاملة وينفذها في غضون فترة محددة كأن تكون سنتين مثلاً للنهوض بواقع العراق المالي الحالي والمستقبل, الى جانب اصلاح النظام الاداري لان لا فائدة من تغيير شخص الوزير والنظام الاداري يعاني من قلة الكوادرالعلمية المتخصصة ,ان تطلب الأمر استعانة الوزير بمن يثق فيهم لتنفيذ مشروعة وأن كانوا خبراء اجانب, اذ المعلوم لدى الجميع اغلب موظفي الدولة هو لم يكن الشخص المناسب في المكان المناسب فمن يمتلك شهادة اعدادية او ابتدائية يشغل منصب حساس بالدولة .
ثانيا- طبقاً للدستور العراقي لسنة 2005 ان لمجلس النواب أن يستجوب رئيس الوزراء أو الوزير الذي تختاره اللجنة المختصة بالإصلاحات لعدم نزاهته وفقاً لدورها الرقابي.
3-واخيراً, ولكي تطبق الاصلاحات على ارض الواقع لابد من تعاون السلطات الثلاث في الدولة وترك الخلافات السياسية , ورغم خلو الدستور من طريقة تبين حل مجلس النواب الذي فقد شرعيته ولم يعد يمثل الشعب فيمكن الاستناد اليوم للمادة 5) ) منه التي نصت (( الشعب مصدر السلطات وشرعيتها )) والعمل بها .
مقالات اخرى للكاتب