العراق تايمز: سلّط طبيب متخصص، الضوء على الأسباب التي قد تواجه الزوجين وتؤدي إلى فشل العلاقة الزوجية.
ويقول الطبيب النفسي عصام الخواجه في مقال لـ"عربي بوست" تابعه "ناس"، (27 آذار 2022)، "في معرض الحديث عن العلاقة بين الرجل والمرأة، ومن خلال خبرة سنوات طويلة خلال عملي مع مشاكل البشر من ثقافات وديانات وأصول مختلفة، ومن خلال خبرتي الشخصية قبل كل شيء طبعاً، دائماً أفكر فيما يُفسد العلاقات العاطفية والزوجية بين البشر، وأنا أفصل هنا بين العلاقات العاطفية والزوجية، ليس لأنني أعيش في بلد يسمح بعلاقات عاطفية دون زواج، ولكن لأن الكثير من الأزواج والزوجات في مجتمعاتنا المحافظة ليس بينهم أي علاقة عاطفية، فالزواج والعاطفة ليسا دائماً متلازمين".
وتالياً نص المقال:
أنا لن أتحدث هنا عن "الفلوس وتربية الأولاد والحموات وتدخل الأهل والجنس" ولا عن "عين مراة خالك الشريرة اللي حسدتكم"، وهذه الأمور مع أهميتها طبعاً، لكني سأركز هنا على ما يُفسد العلاقات العاطفية من مشاكل على مستوى المشاعر الأولية basic emotions وقد اخترت أربعة أمور أراها مهمة جداً:
1- يدخل الناس إلى العلاقة الزوجية وفي عقولهم ومشاعرهم صورة محفورة بعمق لأشهر، علاقة رأوها في حياتهم وهي العلاقة بين الأب والأم، وقد كتبت من قبل أن ما يحدث في الطفولة يتخزن في خلايانا العصبية واتصالاتها الكهروكيميائية، ومن قال في المثل الشعبي "اكفي القدرة على فمها تطلع البنت لأمها" لم يكذب، ولكنه نسي عن قصد أو غير قصد أن يقول أيضاً: "لو جابوا العفريت وضربوه حيطلع الولد لأبوه".
وعندما تحدثت من قبل عن قصة السجين الذي قتل أباه وتزوج أمه (أو تزوج شبيهة أمه على وجه التحديد كعقدة أوديب الشهيرة)، ربما ظن البعض أن "هذه هراءات وعُقَد جنسية في الغرب لا توجد في مجتمعاتنا العربية"، لذلك وفي كثير من الأحيان يصبح الزواج نبوءة ذاتية التحقيق self fulfilling prophecy ويكرر الناس لا شعورياً نفس الفيلم الذي رأوه في طفولتهم في العلاقة بين أبيهم وأمهم دون أن يشعروا أو يكونوا واعين لما يفعلون (فعقلنا الباطن يسيطر على تصرفاتنا دون أن ندري).
وقد كنت أتحدث مع ابنتي منذ فترة، وقلت لها عندما تقدمين على الزواج من فضلك اسأليه أولاً وقبل كل شيء كيف كانت العلاقة بين أبيه وأمه؟ هذا لا يمنع أحياناً أن ينجح زواج بين اثنين من خلفية مضطربة ولكن عليهم أن يعملا معاً على التخلص من هذا "الفيلم المتواجد في أدمغتهم" عن أحداث الطفولة.
2- الكثيرون ممن يتحدثون عن الحب هم صادقون فيما يشعرون به، لكنهم في الواقع يريدون أن يُحَبوا "بفتح الحاء" لا أن يُحِبوا "بكسرها"؛ لأن الحب يعني التضحية والعطاء والتنازل واحترام ورعاية الطرف الآخر، والتضحية والعطاء يحتاجان لكثير من النضج والأمان النفسي لا تتوفر لكثير من الناس، لذلك تفشل الكثير من قصص الحب بعد فترة.
عندما تزوج توم كروز وكاتي هولمز وقام توم كروز بالقفزة الشهيرة علي الكنبة أمام أوبرا وينفري معبراً عن سعادته الغامرة بحبه الجديد، قلت لزوجتي هذا الزواج لن يستمر طويلاً..! وفعلاً تم الطلاق بعد عدة سنوات، فلا تنبهر (أو تنبهري) ببريق الحب قبل أن تدرس (أو تدرسي) نفسك أولاً وقدرتك على التضحية والعطاء والتعاطف والتفهم للطرف الآخر، فالمشاعر وحدها لن تكفي بعد مرور بضعة شهور أو سنوات وأحياناً المشاعر الجياشة يكون وراءها حب شديد للنفس ورغبة في امتلاك الطرف الآخر لا أكثر ولا أقل.
3- التواصل المباشر هو أهم عامل في نجاح أي علاقة، فالناس يظنون أن الآخرين "من المفترض" أن يقرؤوا أفكارهم ويعرفوا ما يقصدون وما يريدون، ولا بدَّ أن يدرك الناس أنه لا أحد يقرأ أفكارك ولا يعرف ما يدور بداخلك، وأكثر الناس سعادة هم من يستطيعون التعبير عن أنفسهم (حتى في العلاقة الجنسية) ولا يخشون التعبير عن مشاعرهم بصراحة وبهدوء وبدون خوف وانكسار أو عنف وغضب، وليس أسوأ في أي علاقة من الشخصية السلبية- العنيفة أو السلوك السلبي- العنيف "passive-aggressive" الذي يتراوح فيه الإنسان بين النقيضين (ولابد أن يتعلم الناس أن يقولوا بهدوء وثقة بالنفس أنا لا أقبل طريقة تعاملك معي ولابد أن تعاملني بطريقة أفضل ولن أسمح بإهانتك لي بدلاً من أن تصبح كسلان منعزلاً كارهاً لحياتك كوسيلة لإبداء الغضب) والعنف السلبي من أكثر ما يُفشل العلاقات البشرية عموماً، وخاصة في عالمنا العربي Be assertive you will be much happier.
4- لحظات الغضب الشديدة هي أدنى نقطة في لحظات الضعف البشري، وهي أفضل فرصة للتعاطف مع الشخص الغاضب، ولكن للأسف الشديد بدلاً من أن يتعاطف الزوجان مع لحظة الضعف الإنساني عند الآخر و"يحتضناه في محنته" يتعاملان مع الغضب بغضب مثله، بل غضب أشد، ولكنك تحتاج من الأساس إلى درجة من الثقة بالنفس والأمان الداخلي حتى تستطيع أن تتفهم الآخر في محنته "وخاصة إذا كنت أنت أصلاً طرفاً في هذه المحنة"، ولعل فقدان القدرة على تفهم الآخر empathy وليس فقط التعاطف معه sympathy من أهم أسباب فشل العلاقات بين الناس، ومع تكرار هذه اللحظات وتكرار الفرص الضائعة وتكرار الفشل تنتهي أي علاقة بين البشر، ولكن هناك دائماً وقت لإصلاحها قبل أن تنتهي، وربما هذا الوقت هو اليوم وليس غداً!.