العراق تايمز / قال الرئيس الأمريكي السابق روزفلت " في السياسة لاشيئ يحدث بالصدفة، فاذا حدث شيئ يمكنك أن تراهن بأنه مخطط له ان يحدث بذلك الشكل" وقد أصبحت هذه العبارة على ما يبدو قانونا أساسيا في تشييد فكر الاستخبارات الامريكية التي رأت النور بتاريخ 1947 بعد ان آمنت بها بريطانيا مسبقا وانتهجتها في جميع مخططاتها للسيطرة على العالم، حتى أصبحت الاستخبارات البريطانية والامريكية أخطبوطا مخيفا تنتشره أذرعه في كل أنحاء العالم.
ان ظل هذين الجهازين موجود في كل زاوية وبقعة من الارض، حيث تدير أكبر وأضخم وأخطر مشروع للتجسس على العالم بأسره من أجل هوس قيادة العالم وإعادة تشكيله، هذا الجهاز الذي يجوب دول العالم شرقا وغربا شمالا وجنوبا ويتواجد في كل مكان على شكل هيئات ومؤسسات وواجهات رسمية مختلفة، تارة سياسيين وأخرى دبلوماسيين، وهيئات من العلماء، ورجال دين ومنظومة شركات ورجال أعمال ووفود رياضية وفنية, وخلايا نائمة وأشخاص وجواسيس مأجورين يملئون بقع الأرض كجنود رخ في رقعة الشطرنج العالمية.
على مدي عقود كانت الحكومات العربية شريكا حاسما لوكالات للاستخبارات الأمريكية والبريطانية في تبادل المعلومات عن الجماعات الإسلامية المختلفة والخلايا العنيفة التي نسجتها من الوهابية التكفيرية والسلفية الجهادية والإخوان المسلمين في العالم العربي خاصتا بعد أحداث 11 سبتمبر.
ويقول صاحب كتاب الجوسسة الأمريكية "اندريه تولي"وهو من أرفع ضبّاط هذه الوكالة، فيشير إلي أنّ مقر وكالة الاستخبارات الأمريكية يضجّ بالعارفين بالفقه الإسلامي والثقافة العربية بل منهم من يتقن اللغة العربية، وهناك عدد هائل من العرب الذين يعملون مع هذه الوكالة، والمترجم الرسمي العربي والذي يترجم من اللغة العربية وإلي اللغة الإنجليزية يحصل علي راتب مغر للغاية قد يصل في بعض الأحيان إلي 200 دولار في الساعة الواحدة . ومنهم من يدخل المنتديات العربية ويشارك الآراء ويقوم بإحصاء التيارات الفكرية والثقافية ويوجه الرأي العام الوجهة التي يراها وربما يصنع هذا الرأي بأساليب علمية مدروسة، ويبقى ملف الشرق الاوسط بيد مجموعة من المخبرين والخبراء الأذكياء وعلماء النفس والاجتماع شغلها الشاغل هو هذه المنطقة والدول المحيطة بالكيان الإسرائيلي.
وتأكيدا لهذا القول ففي سنة 2001، ألمحت جريدة التايمز إلى وجود شبكة مخابرات تسعى إلى تجنيد العملاء عبر الإنترنت، خاصة في منطقة الصراع العربي، ولا سيما الفلسطيني- الإسرائيلي، وبعد قليل من الوقت تم الإعلان رسميًا عن تأسيس "مكتب المخابرات عبر الإنترنت"، بقيادة ضباط من المخابرات الإسرائيلية، ترأسهم موشي أهارون.
وفي عام 2002م نشرت صحيفة "لوموند"الفرنسية تقريرًا مفصلاً عن حرب الإنترنت، أكدت فيه على وجود مكتب لتجنيد العملاء العرب عبر الإنترنت منذ سنوات طويلة، لافتة أنه بدأ العمل بجدية أكبر بعد أحداث سبتمبر 2001، حيث أضحى هدفه احتكار سوق الإنترنت عبر ضخ المزيد من المواقع الإلكترونية، التي تتضمن زوايا الشات والدردشة التي يرتادها الشباب العربي، ويتهافت على زيارتها، وكشفت عن هوية صاحب موقع "شباب حر"، الذي يضم عشرة ملايين زائر من مختلف أقطار الأرض بمجرد الإعلان عن انطلاقه في العام 2003، حيث يعود لأدون وردان، صاحب الاسم اللامع في المخابرات الإسرائيلية ، وأضافت الصحيفة أن ما يزيد عن 58% من المواقع التي برزت على الساحة في ذلك الوقت كانت فروعًا من أجهزة الاستخبارات للدول الأوروبية والعالمية، كالولايات المتحدة وإسرائيل أولاً، ومن ثم بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا.
كذلك تؤدي السفارات الأمريكية دورا هاما في تسهيل مهام الوكالات (وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (-NSA-FBI-CIA) , وتناط بهذه السفارات القنصليات والممثليات مهام إستخباراتية ومهام المراقبة للحكومات وقادة الرأي وأنشطة المعارضة, ومد الجسور وإعداد التقارير ومراقبة الحركات الدينية بأنواعها, وتتابع تطورات التسليح واتجاهات كبار القادة والسعي للتواصل معهم من خلال الدورات العسكرية والتدريبية أو المناورات العسكرية(اختراق وتجنيد), لها أوكار وخلايا مخفية ونائمة تستخدم عند الحاجة لمرة واحدة مثل المناديل الورقية.
ومن أهم الأدوار التي قامت بها السفارة الأمريكية في مصر مثلا بعد الثورة هو توجيه الجماعات الإسلامية والتيار السلفي بما يخدم المصالح الامريكية خاصتا في ظل السفيرة أن باترسون الخبيرة في نشر الفوضي والتعامل مع التيارات الإسلامية في أفغانستان وباكستان سابقا وصديقة الاخوان المسلمين.
ونعود إلي مقر الاستخبارات الامريكية في واشنطن الذي يقدر عدد العاملين بحوالي 250 ألف موظف وجاسوس يقدمون خلاصة أعمالهم في تقرير يطلع عليه الرئيس الأمريكي صباح كل يوم, ويضم النشاط التجسسي بما يقرب ل 100 مليون وثيقة كل عام و40 طناً من الوثائق يتم التخلص منها كل يوم.
وجب التوضيح لأنه كان يوجد في الولايات المتحدة ثلاثة أجهزة للمخابرات تقوم بعملية التنصت داخل الولايات المتحدة وخارجها ثم تم تحديث وتقسيم وكالات الاستخبارات إلي 15 جهاز استخباراتي يتم التنسيق بينهم تحت قيادة واحدة وهو رئيس الاستخبارات وسنكتفي بتعريف ثلاثة وكالات هي :
لقد أطلقت الصحافة الأمريكية في السبعينيات هذا المصطلح على أخطر جهاز أمني في أمريكا وأكثرها سرية المختص بالتنصت على جميع المحادثات والمخابرات والاتصالات الجارية في جميع الدول والمؤسسات, والآن أصبح ممكنا أن نطلق عليه الأذن الكبرى حيث أصبح العالم الآن بلا أسرار في ظل التطور التكنولوجي الملفت للنظر في مجال التجسس وخصوصا الالكتروني, وهناك ثلاث أجهزة للمخابرات تقوم بعملية التنصت داخل الولايات المتحدة وخارجها لكن اكبر هذه الأجهزة في عملية التنصت هو (NSA) , تم تشكيل هذا الجهاز الأمني في24/10/1952 وشكله الرئيس "ترومان" دون علم الرأي العام الأمريكي ولا حتى الكونغرس وكانت تعليمات "ترومان" قيام هذا الجهاز بالتنصت على نطاق عالمي, ويتعاون هذا الجهاز مع وكالات وأجهزة أمنية مشابهة لها في إنكلترا-نيوزلندا-استراليا ضمن نظام ضخم يدعى "أيشلون-ECHELON" فان نشاطها ليقتصر على الأعداء بل يمتد إلى محادثات ومكالمات دول صديقة مثل فرنسا وايطاليا وغيرها من الدول العربية وليستثني الجهاز احد من التجسس حتى المواطنين الامريكين أنفسهم.
أما فيما يخص جهاز المباحث الفدرالية(FBI) فان هذا الجهاز يبقى دوره يتجلى في ماهم انيطت به داخل وخارج الولايات المتحدة بالتوافق مع الأجهزة الأمنية الأخرى( ناسا- سي آي إيه)ويقوم بإعمال مختلفة جمع الأدلة الجنائية وتحليل المعلومات, ومراقبة الأهداف, تتبع الشبكات والخلايا ,القبض على المطلوبين, جمع البيانات, تقييم الوثائق- الأمن الوقائي-الآمن الداخلي للمؤسسات والدوائر الأمريكية-قضايا الفساد-جرائم القتل السياسية وغيرها من الواجبات والمهام التي تكلف بها داخل وخارج الولايات المتحدة.
أما جهاز وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) فانه يرتبط بوزارة الخارجية الأمريكية تنظيميا وتنتشر مقراته وواجهاته في جميع أنحاء العالم وخصوصا في دول الاهتمام ومناطق التأثير, ومكلف بعدة مهام داخل الولايات المتحدة وخارجها ومنها مراقبة الحكومات وقادتها السياسيين, والمنظمات الإسلامية بكل توجهاتها, وفتح قنوات الاختراق إليها, أعداد تقارير مستمرة عن الأوضاع وتتبع التسليح والأنشطة النووية, توسيع قدرات شبكاتها وتجنيد مواطني هذه الدول للعمل معها ورفدهم بالمعلومات البصرية والمشاهدة وأحداث التأثير والفعل عند الحاجة, التجسس العلني والسري على المطارات والمعسكرات ومواقع ومنصات أطلاق الصواريخ والقواعد العسكرية, تحديد أماكن ومقرات المنظمات السياسية والمقاومة, التخطيط والتنفيذ لعمليات الاغتيال المهمة ذات الأسبقية(رؤساء-قادة سياسيين-قادة عسكريين-رجال دين- قادة حركات التحرر), قمع حركات التحرر والمعارضة والمقاومة بما يتلاءم مع مصالح الولايات المتحدة , توجيه المظاهرات والمسيرات المناوئة للسلطة السياسية وفق إرادة الولايات المتحدة ووسائل الضغط على تلك الدول,التخطيط والتعاون وتسهيل التنفيذ للانقلابات السياسية والعسكرية في دول مختلفة وفق لخارطة الصراع,إذكاء الحروب الأهلية والصراعات,التصفيات الجسدية والاعتقالات والخطف,تطبيق فنون التعذيب وانتزاع الاعترافات ألقسري, تسريب وثائق أمريكية لفضح عملائها الذين انتفت الحاجة لهم, إيصال عملائها بعد تدريبهم إلى مستويات رفيعة في مصدر القرار السياسي لدول عديدة وخصوصا العربية منها، تسخير كل قدراتها الكبيرة في ترصين وتقوية الوجود الصهيوني على ارض العرب, السيطرة على القنوات الفضائية والحملات الدعائية المضادة واستدراج القيادات وتشويه الحقائق ودورها الرئيس والمحوري في فضيحة الأدلة المزيفة التي روجتها لشن الحرب على العراق(-أسلحة الدمار الشامل-علاقة العراق بالقاعدة-قدرات العراق العسكرية),دورها الرئيس والمحوري إثناء غزو العراق, دورها الكبير والمحوري بعد احتلال العراق,وغيرها من الأدوار الكبيرة والخطيرة التي تقوم بها "وكالة الاستخبارات المركزية "CIAعبر ومفاصلها وواجهاتها وجواسيسها وعملائها في كافه أنحاء العالم.
ونود أن نشير هنا إلي عمليات التجسس التي تجري لصالح المخابرات الأمريكية (السي أي إيه) من خلال مراكز البحوث والدراسات التي تتخصص بعمل ظاهري هو الأبحاث العلمية الحقيقة "ويتم جمع المعلومات المهمة عن المجتمعات بهدف تشريحها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لمعرفة نقاط القوه والضعف واستغلالها لمصالحهم كترويج أفكار معينة أو تغيير سلوكيات وتقاليد وهذا يدخل ضمن أسلوب الغزو القافي والعقائدي التدريجي السهل وغسيل الدماغ وهيكلة العقول, وبنفس الوقت تستطيع هذه الواجهات من التأثير على القدرة الاقتصادية لذلك البد وخططها التنموية ومعدلات نموها الاقتصادي بشكل لا يشكل خطر على القرصنة التجارية الأمريكية , ومن المؤسسات الأمريكية كمراكز بحوث تعمل وفق هذا المنهج (مؤسسات-فورد-فونديش, وهيئةADومؤسسةEBIK) بالإضافة إلى عدد من المؤسسات الموجودة في أمريكا وتقوم بتمويل مؤسسات في الدول العربية كالوكالة الأمريكية للتنمية التي تخضع للكونغرس الأمريكي, وتنفق ملايين الدولارات سنويا على برامج مبادرة الديمقراطية لتمويل وكالات استشارية وحلقات دراسية وأوراق بحثية لجمع المعلومات عن الأحزاب والانتخابات والاتحادات والنقابات العمالية, وتمارس هذه المؤسسات عملها عن طريق توظيف القيادات البيروقراطية لتكون أداة طيعة بيدها, وكذلك استغلال الجماعات وبعض الوزارات والمراكز السياسية المعروفة بميولها الغربية وكذلك الشخصيات الإعلامية والصحفية وطريقة توجيهها لصنع الحدث وترسيخه في عقول المتابعين والمتتبعين ومنها ترسيخ ثقافة الهزيمة في عقول الشعب العربي والسعي الحثيث لتحويل كل وسائل الرفض والحرية التي يمارسها الرفض الشعبي ومنها المقاومة إلى إرهاب وغيرها ن المسميات التي يروجها الأعلام المضلل لتسويق مشروع الولايات المتحدة والصهيونية وفرض إستراتيجيتها على الرأي العام الشعبي العربي والإسلامي.
وتجدر الاشارة الى أن كتاب "الاستخبارات البريطانية وعميلاتها السرية في أوروبا وافريقيا والشرق الاوسط" لصاحبيه جوناثان بلوش، باتريك فيتزجيرالد، يحوي بين دفتيه على سيل هائل من المعلومات الدقيقة والموثقة عن جملة واسعة من العمليات المستورة التي نفذتها الاستخبارات البريطانية على مدى قرابة أربعين سنة ضد شعوب العالم الثالث، من الملايو في جنوب شرق آسيا مروراً بالمحيط الهندي والشرق الأوسط، والقارة الأفريقية، وصولاً إلى إيرلندة الشمالية حتى يومنا هذا.
ويوضح الكتاب التوزع الجغرافي والسياسي لمختلف أجهزة ووكالات الاستخبارات البريطانية، وكيفية وتاريخ نشوء وتطور كل منها، وخصوصاً تلك التي لها علاقة بالعمليات المستورة، وهو ما يجعل الكتاب مرجعاً لكل مهتم بمعرفة بعض الجوانب الغامضة في أحداث تاريخية معينة (مثل الدور الذي لعبته الاستخبارات البريطانية في إفشال انقلاب هاشم العطا ضد النميري، والثمن الذي دفعته حكومة لندن للنميري مقابل توجهه غرباً... ومثل الانقلاب الذي نظمته الاستخبارات البريطانية بالاشتراك مع إسرائيل لإيصال عيدي أمين إلى السلطة في يوغندا، قبل أن ينقلب هذا الأخير على أسياده، لأنهم لم يسمحوا له بغزو تانزانيا... ومثل تفكير الاستخبارات البريطانية في الإطاحة بأنظمة الحكم في سورية ومصر والسعودية معاً، وبمساعدة نظام نوري السعيد في العراق في الخمسينات... الخ)، والدور الذي كان للأجهزة البريطانية في هذه الأحداث، وما زال لها إلى حينها في الأحداث الساخنة هذه الأيام، وإن تحت إشراف ورعاية استخبارات الولايات المتحدة، التي تتزعم -بلا منازع- العمليات الإرهابية المستورة التي تنفذ بعضها بمفردها، وبعضها الآخر بالشراكة مع الاستخبارات الغربية الأخرى، وعلى رأسها تلك البريطانية.