الوطن لدى كل الشعوب وفي كل المجتمعات حالة مقدسة وهي بمثابة شرف لا يكتسبه الإنسان وإنما يولد عليه ولهذا فحبه لوطنه لا يحتاج إلى توصية أو وثيقة وهو يدافع عنه حين يتعرض للتهديد أو الإحتلال وينتصر له دون الحاجة إلى من يحرضه أو يحثه سوى وجدانه النظيف الشفيف ، والوطن أيضاً هو الجسد وإنَّ أول من يحس بالوخز والألم في أجزائه إنما هو الجزء الأكثر حساسية فيه ونعني بذلك القلب ، والمثقف كما يُفترض هو قلب المجتمع وحاسته الأكثر استجابة والأكثر رهافة وبناءً على ذلك فمجتمع دون ثقافة هو مجتمع بلا مشاعر ولا هوية ولكننا اليوم وفي حالة كحالة العراق نرى العجب فما يسمى باتحاد الأدباء والكتاب في العراق صامتٌ صمتَ القواقع في أعماق البحر لا يهزه أو يستثيره احتلال بلده وإذا ما أراد الإعتصام أو الإحتجاج أو الإضراب فبسبب عدم وفاء الدولة لتعهداتها بدعم نشاطات الإتحاد مادياً ! أو بسبب عدم الإهتمام الجاد بهم من قِبل وزارة الثقافة ، ممثل الثقافة الرسمي للدولة .
يا ( أحبائي ) أية دولة وأية ثقافة ووطنكم محتل وشعبكم مصعوق ومحروم ممزق !!؟؟
والمصيبة لا أحد منكم يشعر بأدنى خجل من كون المحتلين لبلده هم ليسوا سوى حثالات وشراذم أتت من داخل وطنكم ومن وراء الحدود لتدخل غرف نومكم بينما أنتم مشغولون بتوسيع العلاقات مع هذا السياسي أو ذلك أو هذه الجهة المسؤولة أو تلك .
المثقف الحقيقي لا يتذلل للسياسي أبداً ومهما حصل بل القاعدة هي أن السياسي هو الذي يحاول كسب المثقف وإرضاءه ولكن ما يحصل عندنا هو العكس فيا للمهزلة ...
الإتحاد أصدر بياناً يدعو فيه للتضامن مع الجيش العراقي !
هل يرقى هذا إلى مستوى أضعف الإيمان ؟
كان سارتر يقود المظاهرات بنفسه والأمر نفسه فعله العديد من كبار كتّاب أمريكا الجنوبية وروسيا ولست بصدد عقد مقارنة هنا ولكنْ ...
كنتُ قد كتبتُ مقالاً قبل ثلاث سنوات ونشرته وقتها في العديد من الصحف والمواقع وكان بعنوان : دعوة لإلغاء اتحاد الأدباء والكتاب .... وقد بينت فيه الأسباب رغم أن أغلبها معروف وذكرتُ فيه أن بيانات الإتحاد تدين الإنفراد بالسلطة والمحاصصة والطائفية والتي تغلغلت في مفاصل الدولة لأن الدولة لم تعطهم حصة من الوليمة ولم تعمل لهم المهرجانات الكافية ولم تهيء لهم الفنادق الفارهة أسوة بالسياسي إلخ والأنكى من ذلك أن الإتحاد هذا طالما تشدّق باسم الجواهري ليعطي لنشاطاته وتحركاته ما يظنه مصداقية ما وأصالة ما بينما أغلب نشاطات هذا التكتل لا الإتحاد مريبة ومقتصرةٌ على أدباء الداخل وحتى أدباء الداخل هؤلاء يتم انتقاؤهم بعناية وحسب الولاءات والصداقات لا حسب الموهبة والثقافة والخبرة والتأريخ الطويل في ميدان المعرفة والعمل الوطني أو الإنساني وهم يفعلون هذا بصلافة قلّ نضيرها فيكاد لسان حالهم يصرخ : لا نعترف بأي مثقف في الخارج ولتضربوا رؤوسكم بالحيطان .... متوهّمين أنهم خيرُ من يمثل الثقافة العراقية الحية وأغلبهم حين تتفحص تأريخه الشخصي تجده خاوياً ونتاجه الأدبي أو الثقافي هابطاً بل يفوح ادعاءً وتطفلاً ، نعم هذا ما يسمى باتحاد الأدباء والكتاب عندنا وأعضاؤه فيهم عدد غير قليل ممن كانوا يلعبون بالحصى في الأزقة بالمقارنة مع أدباء وفنانين وكتاب أمضوا جلَّ أعمارهم في المنافي وحياة التشرد رافضين نظام القتلة وغير مساومين على نزاهة الكلمة وقيمة الإبداع ودورهما في تعميق وعي الإنسان وتعزيز قيمته روحياً ولكن لمن تنشد مزاميرك يا داود ؟ وكيف الخلاص من طاعون المحسوبيات والمحاصصات والمناطقية والإنتماء الطائفي أو الآيدولوجي ؟
مقالات اخرى للكاتب