طوزخورماتو، قضاء بشمال شرق العراق تتبع لمحافظة صلاح الدين وكانت عائدة لمحافظة كركوك لحين إجراء التعديلات الإدارية عام 1976 حيث ألحقت بمحافظة صلاح الدين، بموجب المرسوم الجمهوري المرقم 41 في 29/ 1/ 1976 والمنشور في جريدة الوقائع العراقية العدد 20532 في 7/ 6/ 1976، يتبع القضاء أربع نواحي وهي آمرلي وبسطاملي وسليمان بيك وقادر كرم.
أسم القضاء تركماني بحت كسكانها حيث سكنتها العشائر التركمانية منذ 800 سنة وتشتهر المدينة ببساتينها وطيبة أهلها ووداعتهم، ولكن هذا لم يمنع خفافيش الظلام من أستهدافها مرة تلو الأخرى، ولا نعلم أن كان السبب قومية سكانها، أو مذهبهم الشيعي، أو كونهم حمائم في عصر الذئاب.
مدينة لم يكن يسمع بوجودها الكثير، ولكن اشتهرت في الفترة الأخيرة بتصدرها نشرات الأخبار بين الحين والآخر بسلسلة من التفجيرات من الواضح أن الهدف منها هو إبادة سكانها وتهجيرهم من أرض أجدادهم .
ليس غريبا أن من يتبنى هذه العمليات هم الإرهابيون التكفيريون، وحتى أنها استمرت في مطلع شهر رمضان المبارك، فهم من بدؤوا حركتهم بذبح عدد من الحجاج العراقيين الشيعة و التوضؤ بدمائهم تبركا لله حسب معتقدهم المريض.
ولكن الغريب هو الموقف الحكومي من هذه التفجيرات فمن الصمت ،إلى الاستنكار وأخيرا تشكيل لجنة يرأسها شخص لا علاقة له بالأمن، ولا أعتقد أن أهل المدينة يأبهون باستنكار أو استعطاف أحد بل هم يطلبون بحقهم الذي ضمنه لهم الدستور بالحماية والعيش بكرامة.
هذا الحق الذي فشلت الحكومة في توفيره لهم حتى الآن بالرغم من أن القوات الأمنية تجاوزت المليونين، وهو عدد يعتبر الأكبر عالميا عند مقارنته بعدد السكان ولكن هذا العدد فشل في مواجهة الإرهاب ليس بسبب القوة الهائلة للإرهابيين بل بسبب ضعف الجهاز الأمني، حيث أن الجهاز الأمني في العراق تأسس على عجالة ولم يراعى به الشروط المعمول بها عالميا، من الدقة باختيار شخوصه ومعرفة تاريخهم فتعرض الجهاز للاختراق منذ البداية ورغم تحسن الأوضاع إلا أن هذا الجهاز بقى مخترقا لأسباب أقل ما يقال عنها أنها سياسية.
وكذلك بقاء مفاصل هذه الأجهزة بدون قيادة واضحة فوزارتي الدفاع والداخلية بدون وزير ولا يلوح في الأفق أن الحكومة تنوي شغل هذه المناصب في القريب العاجل، واختلاط المهام فالجيش المفروض أن يكون على الحدود لا داخل المدن فالجيش مدرب على أطلاق النار ولم يدرب على أعمال الشغب أو على مهام أمنية، وأن درب على تلك الهمام فسيربك ذلك وظيفته الرئيسية وهي حماية البلد من أي هجوم خارجي.
كما ان الخطط المتبعة أثبتت فشلها فهي تعتمد على مسك الأرض بنشر نقاط تفتيش عديدة ولكن مثل هذه الخطط عسكرية وليست أمنية فمن غير الممكن أن يمر إرهابي أو أي مجرم محترف من نقطة تفتيش ثابتة.
وهذا أن كانت هذه النقاط تؤدي واجبها بصورة صحيحة ولكن في الحقيقة أكثر هذه النقاط صورية، حيث أن منتسبيها في حالة ارهاق دائم كون واجباتهم تتعدى الاثنتا عشرة ساعة وأجهزتهم غير كفوءة فجهاز الآي دي المستخدم في أغلب نقاط التفتيش اثبت عدم كفائته، فقد أغلقت الشركة المنتجة في بريطانيا وأعتقل صاحبها بتهمة الغش التجاري، وقد يتصور البعض أن الموضوع يخص جهاز الآي دي فقط ولكن في الحقيقة فأن هنالك العديد من أجهزة كشف المتفجرات لدينا في العراق ومن مناشئ عالمية أغلبها عطل بفعل فاعل، والسبب ليس الإرهاب بل العامل الأول المساعد له وهو الفساد فالعراق ممر مهم لتهريب مختلف أنواع البضائع الممنوعة من مخدرات وأحجار كريمة ومواد مشعة، وعصابات التهريب مستعدة لدفع آلاف بل ملايين الدولارات لتعطيل هذه الأجهزة مما يضمن أستمرر عماليات التهريب، هذا العامل الغير مباشر جعل العراق ساحة مفتوحة لدخول المواد المتفجرة والأسلحة.
وكان التبرير الدائم لفشل الخطة الأمنية في بغداد هي حجمها وعدد سكانها الكبير واختلاف قومياتهم ومذاهبهم، ولكن ما التبرير بالنسبة لقضاء طوز خرماتو بحجمه الصغير وعدد سكانه المنخفض وقوميته الواحدة؟
الأمن لا يعتمد على كثرة العدد فقط ولا الأجهزة فقط، الأمن عبارة عن منظومة متكاملة من أفراد مختصين وأجهزة متنوعة من كمارات وأجهزة سونار وأجهزة كشف أيوني والأهم من ذلك كله جهد استخباري.
المشكلة ليس في جهل المسؤولين لمفهوم الأمن ولكن المشكلة الحقيقة في تجاهل هذا المفهوم لتشجيع الفساد تارة، أو لأغراض انتخابية تارة أخرى، أو الاثنين معا في أكثر الحالات أما دماء الأبرياء فهي تأتي بالمرتبة الثانية لدى هؤلاء.
مع هذا كله فلن تركع مدينة عريقة كطوز خورماتو رغم تآمر الجبناء المجرمين وضعف المسؤولين الفاسدين فستبقى هذه المدينة رمزا لصمود كل العراقيين.
مقالات اخرى للكاتب