ان هذا الاتجاه لتغلب تحويل الزمان الى مكان (الكينونه ) على نفي المكان بواسطة الزمان ( الصيرورة ) التي تتلائم تماما مع الكثير مما تطرحه ما بعد الحداثة الان , من (( الحتميات المحلية ) ) عند ليوتار , و( الجامعات التفسيرية ) عند فيش ,و (المقاومات الموضوعية) لفراقيون الى (تبادل المكان)عند فوكو ،وهو يقدم بالتأكيد امكانات متعددة يمكن (للاخر المكاني )ان ينشأ ويتطور فيها ،ومن هذه الزاوية، فالحداثة ،ككل، جربت وبطرائق مختلفة جدل الموضع مقابل المكان ،الحاضر مقابل الماضي ،وهي لم تتردد في ذروة احتفائها بالعالمي على انقاض انهيار حواجز المكان في الكشف عن معاني جديدة للمكان والموضع على نحو يؤكد تكتيكيا الهويات المحلية ،واذ يعزز هذا الجانب من الحداثة الصلات بين الموضع والمضمون الاجتماعي للهوية الشخصية والجماعية ،فهو بدا ملزماً،الى حد ما ،بان يتتبع نهوضاً للسياسات المحلية ،والمناطقية،والوطنية .واكتب الولاء للمحلي اولوية على حساب الولاء للطبقة،ما نحا للفعل السياسي مضموناً محلياً واضحاً .اما اخر هذا الاتجاه فيفضي الى استعادة التصور الهيغلي للدولة ،وانبعاث السياسات الجيوسياسية من جديد وكان ماركس قد اعلن ،بالتأكيد ،من اهمية الزمن التاريخي (ومعه العلاقات الطبقية )واعطاه في النظرية الاجتماعية الاولوية على المحلي وكرد فعل ،وجزئياً على الاقل ،على تصور هيغل المكاني ل(الدولة الاخلاقية) باعتبارها خاتمة للتاريخ الغائي ،وقيام الدولة – اي جعلها في مكان – يفرض اسئلة منهكة للنظرية الاجتماعية ،،ف الدولة وفق ملاحظة لوفيفر ،تسحق الزمن برد الفروقات الى مجرد دورات لا تتضمن جديداً (ثم تدعوها توازناً او تغذية استرجاعية"او "انتظاماً ذاتياً او سواها ).وحين "تفرض هذه الدولة الحديثة نفسها باعتبارها المركز الثابت – بأل التعريف – للمجتمعات والامكنة الوطنية ،يمكن انذاك توقع لجوء الخطاب الجيوسياسي ،كما كان الحال دائما، الى الذاتي والجمالي بدلا من القيم الاجتماعية ،مصدرا للشرعية التي يبحث عنها .وعليه،فالتناقض الظاهر بين عصر يتسارع فيه نفي المكان من خلال الزمن بسرعة قياسية،مع عودة السياسة بمعناها الجيوبوليتيكي والقوي بقوة الواجهة،والذي يبدوا امرأ مفهوما تماماً. ويلتقط نيتشيه الاتجاه هذا،فلسفيا،في كتابة ارادة القوة فالعدمية حيث ،"ارفع القيم تقوم بتدمير ذاتها "تقف على بابناك "ضيف هو الاكثر بشاعة ".ويضيف نيتشه: (تسير الثقافة الاوربية قدما نحو كارثة ،في توتر مؤلم يزداد من عقد الى اخر :لاهثا،عنيفا،متهورا،كنهر يبغي باية وسيلة ان يصل الى نهاية ،نهاية لم يعد يعكسها،بل يخشى ان يعكسها ). وما ازدياد وتيرة تفسح"التملك الثابت للارض
،وتكريم الماضي (اصل الاعتقاد بالالهة والابطال اجدادنا )"برأي نيتشه ،قبل هايدغر ،غير رمز اضافي جزئيا على الاقل ،لانهيار المكان "صحف يومية (بدل الصلاه اليومية )،سكك حديد ،تلغراف ".ان تنامي "تمركز عدد هائل من الاهتمامات المختلفة في روح واحدة ".يفرض على الافراد ان يكونوا الان "اقوياء جدا وسريعي البديهية والقرار ".في مناخ كهذا تستطيع اراده القوة "او محاولة تثوير كل القيم "ان تفرض نفسهاكقوة ودليل في اطار البحث عن اخلاقية جديدة .وهل تعرف ما هو العالم بالنسبة الي ؟هل اريك اياه في مرأتي ؟هذا العالم :وحش من طاقة ،بدون بداية ،بدون نهاية .... سجين"العدم"كما هو سجين قيوده ،ليس ضبابا او مساحة تدرك اخرها ولا امتداد لا ينتهي ،وانما هو جعل في مكان محدد وكقوة محدودة ،مكان مقفل لا تتخلله فراغات هنا او هناك ،هو بالاحرى قوة تخترقنا بالكامل مسرحية قوى او امواج من القوى ،واحدة ومتكاثرة في ان واحد ،وتزداد هنا وتنقص في الوقت نفسه هناك ،بحر من القوى المتدفقة،في سنوات مذهلة من الانبعاث،في جزر ومد متعدد الشكل تدفع من الاكثر بساطة الى الاكثر تعقيدا من الاكثر تعقيدا،من الاكثر استقرارا وثباتا وبرودة الى الأكثر حرارة واندفاعا وتناقضا في ذاته،ثم يعود من جديد من كل الكثرة تلك الى ما هو بسيط،ومن لعبة التناقضات الى سعادة الانسجام والتناغم ،تترسخ وتعود في تجانس خطوطها وسنواتها،تمنح نفسها بركة الابدية،كصيرورة لا تعرف الشبع ،ولا الزهد ،ولا الراحة :هذا عالمي الديوفيزوسي الذي يعيد خلق ذاته الى ما لانهاية ،وتدمير ذاته الى ما لا نهاية،عالم سري مزدوج ،شهواني ،عالمي ،الأبعد من الخير والشر"،ومن دون هدف الا اذا كانت متعة الدوران هي المتعة بحد ذاتها ،ومن دون ارادة، الا اذا كانت السلاسل تشعر ان فيها من الارادة ما يكفي – وبعد هل تطلب اسماً لهذا العالم (في كلمة )هو عالم أرادة القوة – ولا شيء اخر اضافيا ! وانتم انفسكم ،أيضاً ،ارادة القوة – ولا شيء اخر أضافياً ! اذا كان المتخيل غير اعتيادي للمكان والزمان وللموجات المتعاقبة من الجزر والمد ،ان يشير الى شيء ،فهو انما يشير الى ان القوة تدخل نيتشه في نقاشات الحداثة ،انما استندت الى قاعدة معاينته لتحولات الزمان والمكان في عالم اواخر القرن التاسع عشر .والبحث في اخلاق القوة الجديدة هذه وكاريزما الافراد الجسورين والاقوياء جداً ،انما يقع تماما في صميم عالم الجيوسياسية الجديد .ويظهر "كيرن" متابعة وثيقة للاهمية المتنامية لنظريات كهذه عند مفترق القرن .فقد اقر منظرون كبار كثير ،مثل فردريك راتزال في المانيا ،وكمبي فالوفي فرنسا ،وهالفورد ماكيندر في بريطانيا ،وادميرال ماهان في الولايات المتحدة بأهمية السيطرة على المكان كمصدر رئيسي للقوة العسكرية والاقتصادية والسياسية ،يتساءل هؤلاء عما اذا كان هناك امكنة استراتيجية داخل عولمة التجارة والسياسة تمنح الذي يسيطر عليها تفوقا وافضلية على شعوب معينة ؟واذا كان هناك حقا
صراع دارويني من اجل البقاء بين شعوب الارض واممها المختلفة فاية قواعد تحكم اذا ذلك الصراع ؟وعم يحتمل ان يسفر ؟يميل كل من اولئك بجوابه نحو مصلحته القومية ،لينتهي الى تبرير حق شعبه في السيطرة على مكانه الخاص والتمدد .اذا استدعي صراع البقاء او الضرورة او المبادئ الاخلاقية ذلك بأسم القدر المحتوم (الولايات المتحدة )او واجب الرجل الابيض (بريطانيا)او المهمة التمدنية (فرنسا)او الحاجة الى التحضر (المانيا) .وفي حالة المفكر راتزال بالتحديد ،نجد اتجاها فلسفيا محددا يؤكد على الوحدة بين الشعب والارض كأساس للهوية الثقافية والسلطة السياسية ،وحدة لا يمكن ان تنفصم الا بالعنف او فقدان الارض .شكل هذا الاتجاه الأساس المتين للثقافة القومية والتأثير التمديني اللذين اختلفت مصادرهما جذريا عن تلك التي تضمنها التفكير التنويري او تلك التي نشأت عن الحداثية العالمية التي شكلت الاتجاه الرئيسي الأخر في فكر أواخر القرن التاسع عشر
مقالات اخرى للكاتب