كانت الانتفاضة الجماهيرية الاخيرة من المجتمع العراقي نقطة تحول في موقف الشارع ازاء الانتكاسات المستمرة لقيادات السلطات التشريعية والتنفيذية في الخروج من دوامة البؤس التي ازدادت اتساعا وعمقا بسبب التخبط الذي يعاني منه المواطن العراقي على كل المستويات والذي فرضته السياسات الحمقاء للكتل السياسية الحاكمة منذ 2003 وسقوط حكم البعث الاجرامي .
المظاهرات التي انطلقت بعفوية من ثغر العراق البصرة الفيحاء احتجاجا على سوء الخدمات وسرعان ما تعرضت الى سيل من الاتهامات من السياسيين المتسلطين ومن ثم تحولت الى مواجهات سقط على اثرها شهيد وجرحى بنيران غير صديقة ، لتنتقل موجة التظاهرات الى محافظات الجنوب والوسط الشيعية والى العاصمة بغداد وكان بؤرة الحراك والانطلاق لتلك الانتفاضة الجماهيرية العفوية الشباب الساخط من الاوضاع البائسة التي تكتنف معيشتهم وحياتهم .
ولم ينتظر السياسيون ركوب الموجة طويلا واذا كانت الكتل الحاكمة هي من يسارع عادة لاختراق تلك التظاهرات فأن هذه المرة كان ما يسمى بالتيار المدني الديمقراطي والذي يتكون من الخليط الهجين من الشيوعيين والعلمانيين وبعض المؤسسات والتجمعات المرتبطة ماديا بمسعود البرزاني والسفارة الامريكية امثال فخري كريم وهناء ادوارد وسعدون ضمد وسرمد الطائي وغيرهم من الصحفيين والاعلاميين ، وفي ساحة التحرير وبينما تجمعت الجماهير للمطالبة بالاصلاح والتقويم لمسيرة العملية السياسية لم يشأ ارباب السفارة الامريكية ورواد بارات وملاهي وحدائق بغداد ان يفوتوا الفرصة ليخلطوا الحابل بالنابل من خلال عدد من اللافتات والشعارات التي تسيء للاسلام وتدعو الى حجره وحجزه في المساجد والحسينيات كرها ، وطبعا لان اؤلئك المتسكعين الجبناء لا يجرأون على المجاهرة بتحميل المسؤولية للاحزاب والتيارات الاسلامية فانهم لم يجدوا أفضل من توجيه سهام حقدهم الاستحماري نحو الاسلام دون الاسلاميين .
التصرف الارعن لهؤلاء المتامركين جوبه برفض من المتظاهرين وسرعان ما أتاح الفرصة للكتل السياسية الاسلامية من النزول وبقوة للمظاهرات وبحشود كبيرة من المتظاهرين لمواجهة ذلك الانحراف في دعوات (المتمدنين الديمقراطيين) وللالتفاف على مطالب الجماهير الاصلاحية من جهة وركوب الموجة من جهة اخرى لكي يخرجوا بمظهر المتضامن مع انتفاضة الحشود الجماهيرية ..
أعود لتلك اللافتات التي كان دعواتها المتطرفة باقصاء الاسلام من الحياة واضحة ومعلنة من قبيل باسم الدين باكونا الحرامية وكلا لحكومة الاسلاميين وكلا للاحزاب الاسلامية ونعم للاحزاب العلمانية والمدنية والديمقراطية والاستحمارية ؟! والذي أود توضيحه سوف يكون على شكل نقاط ادعو (المتأمركين) الى التمعن بها ومراجعتها قبل ان يواصلوا دعواتهم الاقصائية للاسلام كعقيدة وفكر وشريعة وممارسة ومن اجل ان لا يمعنوا في احلامهم اللاديمقراطية والدكتاتورية وهي كالتالي :
1- ان من حمل هذه الشعارات قصد بالدرجة الاولى تحريف المظاهرات الجماهيرية عن مطالبها الحقيقية والشرعية المطالبة بالاصلاح وليس الافساد وبالتالي يتحمل اولئك المحرفين للمطالب الاساسية للمتظاهرين مسؤولية التشتت والانحراف .
2- المرجعية الدينية هي الناطق الرسمي باسم الدين وليس الملحدين وباعة الخمور او مروجي ثقافة العهر والانحلال وبالتالي فأن المرجعية الدينية لكافة طوائف الشعب العراقي هي من تصدى لانحراف مسيرة الجهات المتصدية للحكم وادانت مرارا وتكرارا فسادهم ودعت الجماهير الى عدم اعادة انتخابهم خلال الدورات الانتخابية السابقة .
3- أن من يرفعون هذا الشعار (باسم الدين باكونا الحرامية ) ليست لديهم مشكلة مع الفاسدين الاسلامويين وانما مشكلتهم مع الدين كعقيدة والا فانهم لو كانوا منصفين وشجعان لادانوا سراقهم ولو بالتلميح وليس التصريح على نحو ان توجيه الاتهام والادانة للاحزاب الاسلامية.
4- ان الاحزاب الاسلامية وصلت للسلطة بالانتخاب وليس بالانقلاب ، فالجماهير اختارتهم عن قناعة او عاطفة او غيرها من الاسباب ، وصوتت لرموزهم قبل ان تصوت لافراد قوائمهم الانتخابية على اساس كفاءتهم ونزاهتهم واخلاصهم .
5- العلمانية ومن يلوذ بعنوانها ويلوذ بستارها نزلت للانتخابات بقوائم متعددة من ضمنها قوائم للمسيحيين وتحالفت احزابها الرئيسية ومن ضمنها الحزب الشيوعي بقائمة وتحت عنوان مطاطي جذاب (التحالف المدني) ومع ذلك لم تتحصل سوى على (3) اصوات.
6- اذا كانت الاحزاب الاسلامية متسلطة فانها تسلطت بفضل قواعدها الجماهيرية ونفوذها الديني في الاوساط الاجتماعية المتدينة واذا كانت تلك الاحزاب قد حضيت بدعم المرجعية في وقت من الاوقات (انتخابات 2005 لاسباب طائفية ) فان ما تلاها من مواسم انتخابية كانت خالية من الدعم المباشر من قبل الجهات الدينية العليا.
7- ان الدين لم يكره أحد على الايمان به والصراع السياسي يجب ان يكون بعيدا عن اثارة الكراهية والاحقاد من قبل المتصيدين بالماء العكر باتجاه التشويش والتسقيط بالدين الاسلامي الذي يعتنقه 90 من ابناء الشعب العراقي بالاضافة الى انه دين البلاد الرسمي ويمثل مقدسا يجب احترامه وعدم اهانته من قبل اي جهة لا تؤمن به .
8- اهم النتائج التي ترتبت على تحريف شعارات ومطالبات الجماهير الشعبية المنتفضة هي استشعار الجهات السياسية الاسلامية خطورة تلك الشعارات السياسية واهدافها الرئيسية مما أدى الى نزولها رسميا وبقوة للمظاهرات وبالتالي كشف ثقلها وحجمها الجماهيري الكبير مقابل الجهة الاخرى .
9- ان الثقل الجماهيري الذي شهدته المظاهرات في كافة مدن العراق جاء بعد دعم المرجعية الدينية لمطالب المتظاهرين وتمثل ذلك الدعم والمساندة بالمطالبة الرسمية للحكومة باجراء الاصلاحات العملية وتوفير الدعم لرئيس الحكومة للقيام بتلك الاجراءات الاصلاحية .
10- في الوقت الذي يتهافت فيه عشرات من المنفلتين والمنفلتات اخلاقيا على الاكتفاء بالتسكع في (البارات والملاهي) او على رفع الشعارات الباطلة التحريضية او تحشيد اقلامهم المسمومة لضرب الدين والمتدينين يقوم رجال الدين والشباب المتدينين المرتبطين بالمرجعية الدينية ومن خلال عشرات التشكيلات العسكرية المجاهدة بالتصدي للاحتلال الداعشي للعراق ويبذلون الانفس والدماء استرخاصا للعراق وشعبه في سبيل حماية البلاد والعباد من براثن الجيش الجرثومي السلفي العالمي الذي يريد ابادة كل معالم الحياة والانسانية في العراق .
مقالات اخرى للكاتب