انتظرت مثل الاف المواطنين القلقين موعد القاء رئيس حكومتنا السيد بيبي نتنياهو خطابه في الأمم المتحدة. لعل عجيبة تحصل ونستمع الى طرح لحل مشكلة الشرق الأوسط التي كانت تسمى المشكلة الفلسطينية.. او النزاع الاسرائيلي فلسطيني وأصبحت نزاعا أخطبوطيا تمتد أطرافه المؤلمة الى مختلف انحاء الأرض.. وبات يسمى الاسلام المتطرف او داعش او القاعدة وما شئتم من تسميات.
اعترف اني معجب بالقدرات الخطابية لبيبي نتنياهو، وأعشق الاستماع اليه حتى لو لم تعجبني مواقفه، وأكثر ما يعجبني بخطاباته ديماغوغيته بخلط الأوراق، لدرجة انه يمكن القول انه استاذ الفن الديماغوغي في السياسة. وهو فن يحتاج الى مستوى كبير جدا من الذكاء، ودائما يفاجئ الاعلام ببدع ديماغوغية جديدة، لدرجة اني لو كنت مديرا لمعهد جامعي للعلوم السياسية، لجعلت من خطابات بيبي نتنياهو مادة دراسية مركزية في العلوم السياسية.
طبعا هذا جانب واحد، اما الجانب الثاني في فن الخطابة لبيبي نتنياهو، فهي قدرته على ان يكون خطيبا لامعا جدا، وفارغا جدا بنفس الوقت، ولو كنت محررا لصحيفة او لموقع اعلامي بالشبكة العنكبوتية، لوضعت عنوانا ضخما : "خطاب بيبي نتنياهو في الأمم المتحدة : لامع وفارغ".
طبعا ارجو النظر الى اعجابي الكبير في موقفي وتقييمي لرئيس حكومتنا!!
هذا الخطاب اعاد الى ذاكرتي قصة رواها لي استاذ الفلسفة حين كنت طالبا في الاتحاد السوفييتي في سبعينات القرن الماضي. طبعا انا لا اكرر قصته، انما أحرفها واقلب مضمونها لأطبقها على واقع مختلف نعيشه في ايامنا..
يقال ان يوم الحساب لزعماء العالم يختلف عن حساب الناس العاديين. فرؤساء الدول سيجري لهم استقبال يليق بمكانتهم السابقة على الأرض، قبل ان يقرر القدير المكان المناسب لهم ، في الجنة او جهنم، او ربما منعا لحدوت قلاقل سياسية في جهنم ، سيحتفظ بهم في منفى خاص معزولين عن اهل الجنة وبعيدين عن أهل النار، والسبب ان القدير تدخل مرات كثيرة لإعادة النظام في جهنم حين نقل اليها قادة دول، زعماء أحزاب ، رؤساء نقابات، اعضاء برلمانات ووزراء... وكاد الشيطان يفقد سيطرته على النظام، لذلك تقرر بعد المشاورة عزل هذه الفئات المشاغبة عن بقية الخلق.
هذا من جهة أولى، من جهة ثانية حتى يجري الضبط الدقيق لأقوال الزعماء، ومدى مصداقيتهم، اقيمت في السماء غرف خاصة لكل دولة على حدة، حيث امتلأت الحيطان بساعات ، بمعدل ساعة لكل شخصية هامة، وأوكلت المهمة الى جبرائيل، الذي كلف من القدير بمهمات عديدة سابقا مثل التبشير بميلاد ابن الله يسوع المسيح، واعتماد الأنبياء.. وانزال النصوص الدينية، وأصبح خبيرا بخلق الله ، لذلك أوكل برصد هذه الساعات، التي لا تتحرك الا اذا تفوه صاحب الساعة بوعد كاذب، او بكلام لا يقصد الالتزام به او بموقف سياسي يقلب الحقائق بفن سياسي يسمى بعلوم السياسة ديماغوغيا، أو بخطاب لامع وفارغ.. او بمشروع من مليارات الدولارات لتخفيف التمييز في الميزانيات الذي تعاني منه الأقليات، لكنه مشروع ورقي فقط غير قابل للتنفيذ.
مثلا توفي قبل سنوات زعيم سياسي لحزب ثوري، اثناء الجولة التي نظمها له جبرائيل شاهد في غرفة حزبه الساعات المعلقة على الحائط، تفاجأ من كثرتها، لكن جبرائيل شرح له ان لكل قائد من قادة حزبه توجد ساعة خاصة ترصد كلامه، وكلما كذب احدهم تدور عقارب ساعته ، والكذبة الكبيرة تجعل عقارب الساعة تدور بسرعة . سأل: اين ساعتي؟
اشار جبرائيل الى ساعة في وسط الحائط .. هذه ساعتك.
كانت عقاربها تدور، تفجأ الزعيم، فهو قد توفي وتوقف عن الخطابة والتنظير؟ شرح له جبرائيل ان اكاذيبه كانت كثيرة جدا لدرجة ان الساعة لم تنته بعد من مهمة تسجيل اكاذيبه.
قال الزعيم: في السياسة الكذب هو جزء من الشرعية السياسية، ومن فن السياسة وأضاف: كلهم يكذبون، والصدق في السياسة يقود الى الفشل... مثلا في الناصرة هُزم ورثائي من علي سلام، هل نعترف بالهزيمة ام نسميها مؤامرة صهيونية وان علي سلام عضو حزب صهيوني، وعميل الشاباك؟
أجابه جبرائيل: هذه التبريرات لا يمكن تسويقها في السماء، وأضاف: انظر مثلا الى ساعة وزير المالية.. كيف تدور بسرعة مروحه هوائية. إنتبه الزعيم السياسي الى وجود مروحة معلقة في سقف الغرفة، رغم ان الجو في الجنة لا يحتاج الى مروحة، لا للتبريد ولا للتدفئة، كل شيء مضبوط بدقة بإذنه تعالى.
شرح جبرائيل: هذه ليست مروحة تبريد انما ساعة وزير المالية، تدور بسرعة مروحة هوائية لأن كل وعوده تلاشت بعد التصريح بها.
وهنا سأل الزعيم السياسي عن ساعة رئيس الحكومة نتنياهو..
أجاب جبرائيل: خصصنا لها مكانا خارج الغرفة لأن سرعة دورانها تقارب سرعة المحركات النفاثة وضجيجها ولا يمكن احتماله وهي تدور في غرفة مغلقة!
مقالات اخرى للكاتب