لكل بلد هوية ورمز يفتخر ويتميز به بين البلدان والأمم, وهوية العراق النخلة فهي رمز لشموخه وحضارته العريقة التي تمتد لآلاف السنين حيث يذكر الكثير من المؤرخين بـأن النخلة نشأت لأول مرة في بلاد الرافدين قبل الميلاد, وجميع الحضارات التي مرت على العراق مثل السومرية والبابلية والآشورية ذكروها في مخطوطاتهم ورسوماتهم وكتاباتهم, فالنخلة والعراقي يرتبطان بعلاقة تأريخية قوية وعلاقة عشق تمتد جذورها في أرض الرافدين الطيبة وتغّزل العراقي بالنخلة في أغانيه ومواويله وقصائده , وتعلم الفلاح العراقي فن زراعتها ورعايتها وتلقيحها والعناية بها واستفاد من جميع أجزائها لأنه كما معروف أن النخلة تنفع الأنسان بكل جزء من أجزائها وتدخل في صناعات كثيرة إضافة لثمرتها (التمر) الغنية بكثير من الفيتامينات والسكريات والفوائد الأخرى وهناك أكثر من 2000 صنف من أصناف التمور في العالم يوجد منها في العراق أكثر من 600 صنف وتعتبر من أجود الأنواع في العالم, وكان العراق الى سنوات خلت يُصنّف في المرتبة الأولى في العالم من حيث عدد النخيل حيث كان يمتلك أكثر من 35 مليون نخلة وكانت بساتين النخيل المثمرة تمتد في معظم محافظات العراق وهي زاخرة بالحياة والجمال ولكن مامرعلى بلدنا في العقود الأخيرة من ظروف مختلفة مثل الحروب والحصار الطويل وانخفاض مناسيب المياه وانتشار الأمراض والإهمال الحكومي أدى الى تناقص عدد النخيل بشكل مخيف ومؤلم حيث أشارت الإحصائيات الأخيرة لوزارة الزراعة الى أن عدد النخيل في العراق وصل الى أقل من 16 مليون نخلة وأن المئات من بساتين النخيل أصبحت عبارة عن مقابر للنخيل وأرض جرداء وتحول منظرها الرائع الذي يشرح القلب الى منظر مؤلم يعكس حال البلد وماوصل اليه.
ان ماحدث لعمتنا النخلة كما أسماها رسولنا الكريم لهو أمر جلل وخسارة كبيرة للعراق ويجب على الحكومة ان لاتبقى مكتوفة الأيدي تتفرج وعليها أن تلتفت الى هذه الثروة الطبيعية الدائمة التي حبانا بها الله وننقذها من الإهمال ونعيد لرمز العراق هيبته التي ضاعت وأنا أرى انه ليس هناك وقت أنسب لذلك من هذا الوقت الذي نمر به وخاصة ان اقتصادنا يمر بأسوأ ظروفه نتيجة اعتماده الكامل على النفط وإهمال القطاعات الأخرى فعلى الحكومة أن تضع في حسبانها ان النخيل أفضل من النفط لأنها ثروة دائمة لاتنضب وان عوامل تكاثرها وزراعتها في بلدنا متاحة فما عليها الا المباشرة بتشكيل لجان تخصصية لعمل مسح شامل ودراسات عن وضع النخيل في عموم العراق وتشخيص كافة الأمراض المنتشرة وكافة العوامل المؤثرة على تردي وضع النخيل في العراق والمباشرة بوضع الخطط العلمية الصحيحة لمعالجة كافة المشاكل التي أدت الى تناقص عدد النخيل والبدء باستيراد وتصنيع كافة المبيدات الزراعية الخاصة بمكافحة أمراض النخيل والايعاز بالتنسيق بين الوزارات المختصة بهذا الشأن مثل وزارات الزراعة والري والموارد المائية والصحة ومجالس المحافظات وكذلك تقديم الدعم الكامل للفلاح العراقي من جميع النواحي وتشجيعه وإغرائه للأكثار من زراعة النخيل.
الأمر الأكثر أهمية هو الاستفادة الحقيقية من التمور المنتجة وذلك بإنشاء مصانع لتصنيع وتعليب التمور وتشجيع القطاع الخاص لإنشاء مثل هذه المصانع وتقديم التسهيلات والقروض لمثل ذلك وخاصة ان هذه الصناعة تعتبر من الصناعات البسيطة الغير معقدة من الناحية الفنية وهي غير مكلفةبنفس الوقت, وبعدها وضع الضوابط لمنع استيراد منتجات التمور من الخارج لحماية منتجنا المحلي وبذلك سنتمكن من تغطية الاحتياج المحلي وبعدها نبدأ بتصدير منتجاتنا الى الخارج خاصة وان التمور العراقية مرغوبة عالمياً, وبذلك ستتحقق إيرادات كبيرة ترفد ميزانيتنا الخاوية وتساهم بانعاش اقتصادنا المتهالك وبذلك نخرجه من حالة الأحادية باعتماده على النفط الذي أصبح نقمة علينا لما يشهده من تحاربات سياسية عالمية للتحكم بحجم انتاجه وأسعاره ولكي نصل الى يومٍ نجد فيه موائد إفطارنا في شهر رمضان المبارك خالية من التمور السعودية والايرانية والاماراتية.
مقالات اخرى للكاتب