الشيخ عبد الحافظ البغدادي
كان الرجل الضرير محط عطف وتقدير في قريتنا .. نسمع كلامه ونتشوق له أن يحضر مجالسنا ..حين تجتمع شخصيات القرية
في كل مجلس يكون له موقع الصدارة .. مرت السنون وتغيرت أحوال الناس وقرروا أن ينتخبوا لهم وكيلا عاما على شؤون القرية .. فكان الضرير صاحب الحظ الأوفر .. أصبح واليا على القرية ولم يعد محتاجا للمساعدات التي كان يشكر أبناء الذوات يوم يقدمونها له قربة لله تعالى وكان يتملق لهم بالدعاء الذي لا يتجاوز بلعومه...
كانت القرية تعاني سرقة إنتاج أهم محاصيلها من التمر ... كان السارق فنيا عارفا بأنواع التمور المرغوبة في الأسواق المحلية والعالمية .. وكانت تحدث خروقات وسرقات , ولم يتمكن الأعمى ذلك الخبير الاستراتيجي أن يلبي طلبات أبناء قريته .. وبدلا من أن يقدم لهم خدمات ويفتح معامل وتشغيل أبناءهم .. ازدادت عمليات السرقة والنصب والاحتيال ...كان يسمع صرخات الناس واستغاثتهم , ولكنه يظهر لهم في المجالس العامة يتحدث عن نظامه وقانونه وكيف تفانى أبناءه في خدمة القرية ...
وحان موسم جني التمر ... فذكر احد المزارعين انه يمتلك نخلة في المكان الفلاني , وضع الله فيها البركة ذلك العام وان مجموع ثمرها من التمر يعادل ماليا 10 نخلات ...
وسارع الفلاح المشار أليه وقطع رأس النخلة وتركها جذعا بدون رأس .. وجلس ينتظر ليلته وقبل الفجر...حين أدى الوالي الجديد الصلاة جاء ومعه حبل ربطه حول بطنه وصعد النخلة يدب عليها ... يتسلقها كأفعى سامة .. يريد أن ينال من إنتاج القرية وأهلها .. ليعوض عمى عينيه الذي حرم منه.فهو مهووس بالانتقام.. حين بلغ أعلى النخلة انتهى كل شيْ كان القطاف .. نهاية المأساة والسرقة ..وجد نفسه مكسر الأضلاع يلفه الخزي والعار .. لم يعد احد يحبه .. ولا يسمع احد كلامه .. بدلا أن كان مصلحا تحول عنوانه إلى سارق ...اشتهر بفترته التي تولى الولاية في القرية ..بتلك السرقة أخرجته من مستوى الآدمية إلى سقط متاع الأرض ....