ماذا لو كان أعضاء حكومتنا هم الذين يديرون شؤون الهند، وهم الذين يتحكمون بزمام أمورها ؟، وكيف ستكون أحوالها المالية والتشغيلية والانتاجية إذا تبنت أساليبنا الارتجالية المربكة، التي تعودنا عليها منذ زمن بعيد ؟. وأي مستقبل زاهر أو عاثر يمكن أن نتخيله بعد نقل تجربتنا العجيبة في تطبيقات المحاصصة الطائفية إلى بلد يضم أكثر من بليون نسمة، معظمهم من الهندوس والمسلمين والمسيحيين والسيخ والبوذيين وديانات أخرى تزيد على 180 طائفة وملة. يتحدثون بأكثر من 347 لغة مستقلة ؟.
كيف ستكون مؤشرات العيش الرغيد في شبه القارة الهندية إذا نقلنا إليهم تجربتنا الفريدة في توزيع المواد الغذائية المدرجة في حصص البطاقة التموينية ؟، أو إذا نشرنا بينهم عصبيتنا القبلية ونعراتنا العشائرية المنبثقة من مبدأ (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) ؟. تخيلوا كيف ستكون أحوال الشعب الهندي في ظل حكومة عراقية تنتدبها الأمم المتحدة لإدارة الولايات الهندية المؤلفة من (28) ولاية مقسمة إلى مناطق وأجزاء. أصغر جزء فيها يزيد من حيث المساحة والنفوس على أكبر محافظة عراقية ؟. ولسنا مغالين إذا قلنا إن مدينة البصرة الهندية أكبر من مدينة البصرة العراقية، وأكبر من مدينة البصرة المغربية. آخذين بنظر الاعتبار إن الرحلة إلى الهند ستكون مفاجأة لجماعتنا، وسيشاهدون ما لا يخطر على بالهم، فليس غريباً أن ترى في شارع شُق على أحدث اسلوب عربة (ستوتة) وبجانبها سيارات فارهة. أو عمارة شاهقة تعانق السماء، وإلى جانبها أكواخ من الصفيح تعيش فيه أكثر من عائلة تقتات على فضلات الطعام. لكن جماعتنا لا يدرون إن الهند تضيف (70) مليار دولار فقط من موارد العمالة الهندية المنتشرة في المدن الخليجية الغارقة في النعيم، ولا يدرون إن حجم الاستثمارات المباشرة للشركات الهندية في الخارج قفز من (1.71) مليار دولار في حزيران 2013 إلى (3.24) مليار دولار في شهر (تموز) من العام نفسه. أي بزيادة شهرية تقدر بحوالي 89%. ولا يعلم جماعتنا إن سر تقدم الهند وتخلفنا يكمن في احترام الحكومة الهندية لثرواتها العقلية، واهتمامها بتنمية قدراتها البشرية الخلاقة، في حين انفردنا نحن بوأد الكفاءات، وتهميش أصحاب المهارات، فالشخص المناسب لا وجود له عندنا في المكان المناسب، ولا أمل له أبداً تحت خيمة السيرك السياسي.
ولا يعلم جماعتنا إن الولايات المتحدة الأمريكية تراجعت في مجال البرمجة إلى المرتبة الثالثة تاركة مركز الصدارة للهند، التي احتلت المرتبة الأولى بكل جدارة واستحقاق، تليها الصين في المرتبة الثانية، بينما هبطت مؤشراتنا إلى الحضيض في معظم معايير التقييم الدولي بكل توجهاتها ومجالاتها وحساباتها. ولم يعد وراءنا وراء.
ختاما نقول: لسنا مضطرين إلى معرفة المصير الذي ينتظر الهند التعددية لو شاءت الأقدار أن تقودها كيانات سياسية متخصصة في الاستحواذ على المناصب الفوقية بأي ثمن، ومتخصصة في التناحر والتنافر، فالكتاب يُقرأ من عنوانه، وستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا، ويأتيك بالأخبار لم تزودِ، عن (الهند) لا تسأل، وابصر قرينها، فكل قرين بالمُقارَن يقتدي. فلو كان مولاي امرءاً هو غيره لفرَّج كربي، أو لأنظرني غدي. .
مقالات اخرى للكاتب