ربما كان القرد صادقا في تلك الحكاية، حين مر هو والثعلب على مقبرة مزدحمة بالشواهد، فقال: كل هذه الشواهد التي تراها، انما اقيمت تمجيدا لاسلافي، الذين كانوا في حياتهم رجالا احرارا عظماء، علموا الناس الكتابة والحضارة، فقال الثعلب: لقد اخترت انسب الموضوعات لكذبك، فان احدا من هؤلاء لايستطيع ان يكذبك، او يرد عليك، وربما يكون القرد كاذبا، ولعله انحدر من اسلاف لايجيدون الا الرقص وتقليد الحركات، راح يطوف بارجاء هذه الحكاية ويلقي بها في دهاليز ذهنه المظلم لينجب منها النور، النور الذي يعتقده هو، وكانه القرد الذي مجد اسلافه، وهو يعلم ان شواهد القبور لن تنتفض وتخرج الاموات ليدلوا باصواتهم، لايمكن ان اتنطط كالقرود، ولايمكن ان امجد اسلافي امام الثعالب، فدهاء الثعالب سيعكس الامور، ذلك التجمع الكبير الذي اقمته الاسبوع الماضي، وتصورت ان لي اتباعا، واطلقت حنجرتي بالهتاف، ومجدت اسلافي كثيرا، كانت الناس تتزاحم على مصافحتي، حتى ان يدي كلت وجسدي اصابه النصب، لم اكن اعتقد ان الناس تحب الشعارات والهتافات الى هذا الحد.
كنت قد غادرت المقبرة بعد ان تصفحت الكثير من شواهد القبور، لكنني لم اظن ان الناس في المدينة تستقبلني هذا الاستقبال مع ما احمله من تراب المقابر، كانت امي توصيني حين نمر بالمقبرة، اياك ان تتلفت الى الخلف، ولاتقرأ كثيرا من الاسماء، ليس عملا جيدا ان توقظ الموتى، كنت صغيرا ، انا لم اوقظ احدا، فقط اقرأ اسماءهم، وارى انتماءهم، انك توقظهم، وحين يعودون ثانية الى نومهم يعانون كثيرا، وهم قريبون من الرب، وربما اشتكوك اليه فتكون عقوبتك سريعة، وضعت يدي على عينيّ لاتقي تلك الشواهد، وغادرت المقبرة بتراب القبور، لكنني الان احمل على الاكتاف حين اقص حكايات اسلافي، الهتافات التي وضعتني مع الالهة، مجدتني ومجدت اسلافي العظماء، هل كنت اكذب ام انقل ماجاء على لسان والدي، ام انني مهووس بهذا التاريخ الذي يتحدث عنه البعض فيوغر صدري كثيرا، البعض يرفض جميع ماجاء في الكتب، والبعض الآخر يضحك منه، لكن هؤلاء الذين يحملونني على الاكتاف يصدقون كل شيء اقوله.
لوقلت لهم انا نبي جديد لصدقوا، ولو قلت لهم انا المنتظر الذي طالما انتظرتموه لصدقوا وهتفوا، لكنني اخشى جوقات الثعالب من الذين يعرفونني جيدا، ويعرفون
اسلافي، ولذا لم تنطلِ حكايتي عليهم، انهم يقرأون التاريخ قراءة مختلفة، يبحثون بين السطور ويقتنصون الاكاذيب ويبنون عليها تصوراتهم، احمد الله ان لا احد من هؤلاء يحضر في التجمعات التي اقيمها، وهم يبتعدون عني كثيرا، الافضل لي ان يبتعدوا، دائما الكثرة افضل من النوعية، ماحاجتي لمجموعة من المنقبين في ارجاء التاريخ، ان كانت فضيحتي ستكون على ايديهم، دعني اترك الثعالب، واعتمد على هؤلاء الذين يتمسحون بتراب مقبرة اسلافي، لم يكن القرد كاذبا، ولم يتأكد لدى الثعلب ان القرد يكذب، جميع الشواهد خرساء ولم تتكلم، هل يستطيع الثعلب استنطاق شاهدة واحدة من تلكم الشواهد، كلا والف كلا، فلامضي بكذبتي الصغيرة باتجاه ان تكبر وتكبر وتكبر، شواهد اسلافي هي من رفعتني على الاكتاف، وشواهد اسلافي هي من وضعتني في المقدمة.
ماذا لو صدر قرار اممي بازاحة شواهد القبور، ماذا ساصنع عندها، ربما لن امر في المقبرة، لكنني ساسجل الاسماء لديّ، وساضعها خلفي، واقول انها شواهد اسلافي التي ازاحها قرار اممي متعجرف، سيصدق الناس ايضا، ويصفقوا بحرارة، وساحصد النصر عاجلا ام آجلا، من منكم يملك تاريخا مثل تاريخي، وحاضرا مثل حاضري، انتم يا من اضعتم شواهد قبور اسلافكم، وتبحثون دائما عن ما يقربكم مني، لماذا لم تضعوا خلف ظهوركم لوحات كبيرة ترسم خارطة لطريق المقبرة القديم، حتى تراب قبورهم هنا معي، القبور هي من صنع مني علما كبيرا، يفعل اي شيء في كل شيء، اتدخل في سياسة الدولة، ارسم لها خطواتها، اضع الاحجار، وارفع الاحجار عن اماكنها، وانا قريب من الناس الذين يفهمونني ويفهمون حركة تاريخ اسلافي، كانوا رجالا عظماء واحرارا، علموا الناس الكتابة والحضارة، لم يتراجعوا عن نشر فكرهم، وحين امر بالمقابر القريبة، استنشق عطر تلك الحضارة، وامجد تلك القبور، ان لها طعما يوازي طعم الحقيقة ان لم يتغلب عليها، الحقيقة التي يجهلها الجميع، فيكون اللجوء الى تراب مقابر اسلافي لتوضيح بعض الامور التي تمثل عائقا فكريا للبعض، سيبقى ابنائي ايضا بذات المراكز على مر التاريخ، مراكز تتربع على القلوب، حب الناس هو من يصنع عرشي وتمجيد اسلافي، اننا نعلم اين وضع الله حكايته الاولى، ونستطيع ان نرشد اي واحد اليها، في حين يعجز الآخرون، ليقول الثعلب مايقول، فهذه جميعها شواهد قبور اسلافي من العظماء والاحرار، وهذا شيء لايمكن لاحد ان ينكره الان او في المستقبل، ولا احد يستطيع ان يرفع تلك الشواهد، سيبقى كل شيء على حاله لالاف من السنين المقبلة.
مقالات اخرى للكاتب